للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأحد، 12 مايو 2013

كيف سترد تركيا على مجزرة ريحانلي?



أنقرة- سعد محيو
- I -
هل سترد أنقرة بقوة على مذبحة بلدة ريحانلي التركية الحدودية، بعد أن اتهمت مباشرة الرئيس بشار الأسد ومخابراته بارتكابها؟


سنأتي إلى هذا االسؤال بعد قليل. قبل ذلك، وقفة أمام طبيعة التوجهات التركية الجديدة في سورية ويقية الشرق الأوسط.
هنا سنكتشف سريعاً أن صورة السياسة التركية إزاء سورية من داخل بلاد العثمانيين، لاتشبه البتة تلك التي تتصوَّرها شعوب الجوار.
فهذه الشعوب، وفي ظل الحمى المذهبية السنّية- الشيعية الراهنة التي تجتاح المنطقة، تضع تركيا بحزم في الخندق السنّي، مُسندة ذلك ليس فقط إلى وجود حزب العدالة والتنمية ذي الأصول الإسلامية في السلطة منذ أكثر من عشرة أعوام، بل إلى الذاكرة التاريخية حيث لعب الأتراك طيلة 1000 عام ، من السلاجقة إلى العثمانيين، دور خط الدفاع الأول عن الإسلام السنّي في وجه كل أنواع وألوان الطيف الشيعي من فاطميين وإثني عشريين وصفويين.
بيد أن تركيا الجديدة ليست كذلك. صحيح أن عواطفها الإسلامية واضحة وترتدي حلّة العثمانية الجديدة من دون أن تسميها كذلك، إلا أنها لاتطرح لنفسها الآن مثل هذا الدور، ولاحتى تريده. إذ هي تسعى، كما يقول مُنظِّرها ووزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، إلى أن تكون "دولة حكيمة". يقول:
"لقد أعربنا عن استعدادنا سلفاً لتحمُّل مايترتب على أي جهة عالمية فاعلة من مسؤوليات، ووضعنا نصب أعيننا هدفاً هو أن نُعَد من البلدان الحكيمة في المجتمع الدولي. وإحدى نقاط القوة في سياستنا الخارجية هي المضي في إعادة اللحمة مع شعوب منطقتنا التي جمعنا وإياهم تاريخ مشترك، ولذا توجب علينا العمل من أجل منع الانقسامات الطائفية بين السنّة والشيعة..".
حديث داوود أغلو هذا ليس افتراضيا أو إعلاميا. فكل المسؤولين الأتراك الذين ألتقينا بهم( في إطار دعوة من وكالة الأناضول لنخبة من الصحافيين العرب)، رفضوا أن تُصنّف تركيا على أنها سنّية، وأصروا على أنها بدلاً من ذلك "ديمقراطية محافظة"، يجد الجميع فيها ليس فقط من السنّة والشيعة بل أيضاً من الأرمن والمسيحيين والأكراد والعرب، مكاناً بارزاً لهم في هويتها الجديدة. (أو بالأحرى المتجددة، لأن العثمانية القديمة نجحت هي الأخرى في أن تكون هوية استيعابية إلى حد كبير).
وحين يتم تطبيق هذا التوجّه على الأزمة السورية، يرفض المسؤولون بشدة أن يفسَّر دعهم للمعارضة السورية على أنه دعم للسنّة السورييين، ويقولون أنه لو تعرّض العلويون أو المسيحيون أو الدروز في سورية إلى اضطهاد فسيجدون سورية إلى جانبهم.
وهذا في الواقع يبدو خياراً منطقياً، ليس فقط بالنسبة إلى دولة انطلقت لتوها في رحلة شيقة للتحول إلى قوة عالمية (مجدداً)، بل أيضاً بسبب التركيبة التعددية الطائفية والإثنية الداخلية التي تحتم هي الأخرى على الدولة التركية أن تحذر انتقال عدوى الحروب المذهبية إلى داخل أراضيها.
- II -

نعود الآن إلى سؤالنا الأول لنقول أن أنقرة سترد بالفعل على مجزرة قرية ريحانلي، لكن ليس عبر الانجرار إلى الحرب المذهبية كما يريد النظام السوري على مايبدو، بل من خلال مضاعفة الجهود لحشد الدعم الدولي وراء إجراءات عملانية مشتركة ملموسة ضد هذا النظام.
رئيس الوزراء التركي أردوغان سيكون في واشنطن هذا الأسبوع. وهو سيحمل معه حتماً ملف مجزرة ريحانلي، إضافة إلى مخاطر الأسلحة الكيمائية ومضاعفات الأزمة السورية على دول الجوار، إلى محادثاته مع الرئيس أوباما. كما أنه استبق كلاً من المجزرة والزيارة بالإعلان عن استعداد تركيا لمساندة أي عمل عسكري أميركي في سورية.
وكل هذا يعني أن تركيا جاهزة للقيام بدور أكثر فعالية بكثير في الأزمة السورية، لكن ليس في سياق ردود الفعل على مجزرة ما بل عبر الفعل. أي ليس لمجرد القيام برد لمعاقبة النظام السوري على فعلته، بل في إطار شرعية دولية وإقليمية.
وهذا، على أي حال، هو تعريف أنقرة لنفسها كـ"دولة حكيمة" تسعى إلى أن تكون "قوة عالمية مسؤولة"، على حد تعبير داوود أوغلو.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق