للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 7 مايو 2013

الغارات الجوية تكشف معالم الاستراتيجية الإسرائيلية في سورية


- I -
ثلاث ملاحظات وسؤال واحد حيال الغارات الإسرائيلية الكثيفة على سورية:
الملاحظة الأولى، أن شبكة الدفاعات الجوية السورية، التي وصفها بعض الجنرالات الأميركيين بأنها بالغة التطور كذريعة لعدم إقامة منطقة حظر جوي، لم يبد لها أثر، على رغم أن غارات صباح الاحد الماضي دامت أربع ساعات.
 فهل كان السبب تقنياً، بمعنى أن إسرائيل نجحت في التشويش الكترونياً على هذه الشبكة، أم أن النظام السوري هو الذي قرر عدم تشغيل الشبكة كي لايفقد دعم تل أبيب له في الداخل الأميركي؟
الملاحظة الثانية أن المجتمع الدولي برمته، بما فيه روسيا، لم تتحرك قيد أنملة لرفض أو إدانة هذه الغارات، فيما كانت الإدارة الأميركية تلحفها بكل الشرعية الدولية الممكنة.
والثالثة، أن إسرائيل أرفقت الغارات بـ"تطمينات" رسمية عبر الأقنية الدبلوماسية والأجهزة الإعلامية للنظام السوري بأنه ليس هو المستهدف، بل شحنات الصواريخ الإيرانية إلى حزب الله.
وإذا ما عنت هذه الملاحظات شيئاً، فإنها تعني أن إسرائيل بالفعل تبدو طليقة اليد تماماً على الصعيدين الإقليمي والدولي في كيفية التعاطي مع الأزمة السورية.
نأتي الآن إلى السؤال: كيف نفهم الاستراتيجية الإسرائيلية من الأزمة السورية، في ضوء كل من  هذه  الملاحظات والغارات؟
- II -

أول مايتبادر إلى الذهن هنا هو أن إسرائيل لاتنوي التدخل في الحرب الأهلية السورية، إلا في المجالات التي تتعلق بأمنها المباشر وغير المباشر. فهي، على سبيل المثال، لاتبدو أنها تمانع في انخراط حزب الله اللبناني على نحو كثيف (كما حدث مؤخراً) في الحرب السورية، ولاحتى في الجهود التي يبذلها الحزب والنظام السوري لتأمين مثلث استراتيجي يمتد من حمص إلى اللاذقية وصولاً إلى منطقة البقاع اللبناني الشيعي.
لماذا؟
لأن تورط حزب الله وإقامة المثلث الاستراتيجي، ستقتصر وظيفته النهائية على إدامة الحرب الأهلية السورية إلى مالانهاية. وهذا لن يضير إسرائيل بشيء حتى ولو عنى أن إيران ستواصل الاحتفاظ بمداخل إلى البحر المتوسط من خلال المنطقة الساحلية العلوية، في حال سقط النظام السوري في دمشق.
ماترفضه إسرائيل في هذه السياقات أمران ترسم حولهما العديد من الخطوط الحمر:
الأول أن "يخرج حزب الله من القفص" في عملية التورط الاستراتيجي هذه، عبر نقل صواريخ ضد السفن أو مضادة للطائرات أو بالستية بعيدة المدى أقوى من صواريخ زلزال إليه.
والثاني، أن تبقى الترسانة السورية الضخمة من الصواريخ والأسلحة الكيميائية معلقّة في الهواء وعرضة إلى السقوط في أيدٍ مستعدة لاستخدامها ضدها في وقت ما.
الحل في الحالة الأولى واضح وهو قيد التنفيذ: استخدام القوة العسكرية على مدار الساعة لمنع وصول مثل هذه الأسلحة إلى حزب الله.
بيد أن الحل في الحالة الثانية يبدو شائكا، وسيكون من الصعب على الدولة العبرية تنفيذه بمفردها. إذ هو يتطلب إما قراراً من مجلس الأمن الدولي بوضع هذه الترسانة في عهدة الأمم المتحدة، أو السيطرة عليها من خلال عمل عسكري دولي كبير، أو تدميرها بغارات جوية وصاروخية ينفذها حلف شمال الأطلسي.
- III -
حتى الآن، لايبدو أن الأمور في سورية وصلت إلى مرحلة الحالة الثانية. فالنظام لايزال يمسك بزمام هذه الترسانة. وقواته أحزرت تقدماً في الآونة الأخيرة، بمؤازرة وحدات من حزب الله، ضد معاقل المعارضة المسلحة في المثلث الاستراتيجي وفي ريف دمشق.
بيد أن الأمور قد تتغير بسرعة إذا ما بدأت الولايات المتحدة في تسليح بعض فئات المعارضة، أو إذا ماعاود النظام السوري استخدام الأسلحة الكيميائية. إذ حينذاك ستضغط إسرائيل بشدة على الولايات المتحدة للانتقال إلى هذه المرحلة.
والحصيلة؟
إنها واضحة: ثمة تقسيم عمل واضح بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط إزاء الأزمة السورية. ففي حين أن دور بعض هذه القوى (كما حددته واشنطن) هو انهاك النظام السوري وتليين عريكته لدفعه إلى التخلي عن الحل العسكري لصالح التسويات السياسية، يتمثّل دور إسرائيل في ضبط إيقاع التعامل مع ترسانة الأسلحة السورية الصاروخية وغير التقليدية، وفي مواصلة وضع حزب الله اللبناني في القفص داخل سورية.
وهذا، بالمناسبة، دور تعشق العقلية الإسرائيلية الكاملة القيام به في كل حين. فهي عقلية أمنية متطرفة من ألفها إلى الياء.

سعد محيو 

هناك تعليقان (2):