عرض لكتاب بريجنسكي الجديد: "رؤية
استراتيجية"(3)
الشرق الأوسط برميل بارود.. وشبابه
"بروليتاريا القرن 21 "
عرضنا
في الحلقة الثانية رؤية زبغنيو بريجينسكي في كتابه "رؤية استراتيجية" (*)
للمشهد الدولي في مرحلة الانحدار الأميركي المحتملة التي يتوقعها قبل العام
2025، أو إذا ما حصل انهيار مالي وكساد اقتصادي مفاجئين في أميركا. وفي هذه
الحلقة سنتطرق إلى رؤيته لمصير الشرق الأوسط الكبير.
|
-
I -
من بين كل مناطق العالم، يرسم بريجنسكي لوحة غير زاهية
البتة للشرق الأوسط الكبير الذي يضم، إضافة إلى المنطقة العربية وإيران، باكستان
وأفغانستان وآسيا الوسطى.
فهو يورد تقريراً دولياً العام 2007 يشير إلى أن
"طفرة الشباب" (youth bulges ) كانت حاضرة في 80 في المئة من
النزاعات الأهلية في العالم في الفترة بين 1970 و1999. كما أنه من الجدير
بالملاحظة أن الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع يتضمن أعلى معدلات من بين كل
دول العالم في نسبة الشباب. فالعراق وأفغانستان وفلسطين والسعودية وباكستان، كلها
لديها أعداداً ضخمة من الشباب الذين يميلون إلى التمرد والتشدد، ولاتستطيع
اقتصادات دولهم استيعابها.
يقول بريجينسكي:" في هذه المنطقة الممتدة من شرق
مصر إلى غرب الصين، تحتوي اليقظة السياسية المتزايدة (التي يعتبرها هو، إلى جانب
توزُّع السلطة العالمية، أهم التطورات التي طرأت على النظام العالمي في السنوات
الأخيرة)، على أقوى الاحتمالات للتحوّل إلى انتفاضات عنيفة. فنسبة الشباب، التي
يمكن أن نُطلق عليهم وصف "بروليتاريا القرن الحادي والعشرين"، هي برميل
بارود ديمغرافي حقيقي".
-
II -
ثم يتطرق الكاتب إلى علاقة أميركا بالشرق الأوسط الكبير
خلال المستقبل القريب، فيقول أنه بالإضافة إلى العمل غير المنجز في أفغانستان
والعراق، تواصل أميركا مواجهة منطقة شاسعة ومضطربة وكثيفة السكان تمتد من شرق
السويس إلى غرب الصين، حيث تتركز فيها ثلاث معضلات جيو- سياسية كبرى: صعود
الأصولية الإسلامية في باكستان النووية، واحتمال نشوب صدام مسلح مع إيران،
وإمكانية أن يولّد فشل الولايات المتحدة في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية إلى توليد
عداء شعبي إسلامي واسع النطاق لها في الشرق الأوسط المستيقظ سياسيا. وفي هذه
الأثناء، تستمر عزلة أميركا الاستراتيجية في هذه المنطقة الحساسة. صحيح أن روسيا
والصين والهند تساند الولايات المتحدة في حربها ضد الأصولية في أفغانستان، لكن هذه
الدول تعي في الوقت نفسه الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه هذه المنطقة في تقليص
نفوذ الزعامة الأميركية العالمية. ولذا، فهي تدعمها ضد الأصولية، لكنها سعيدة لغرقها
في وحول هذه المنطقة ومستنقعاتها.
-
III -
هذه نقطة.
وثمة نقطة ثانية لاتقبل أهمية، وهي أن نشوب حرب كبيرة
تمتد من أفغانستان إلى باكستان، أو اندلاع صدام أميركي- إيراني في منطقة الخليج،
أو حتى تجدد العداوات بين الإسرائيليين والفلسطينيين وباقي العرب، قد يجر أميركا
مجدداً إلى نزاعات إقليمية من دون أي ضوء في آخر النفق. فالعداوة الإسلامية
للولايات المتحدة قد تكتسح العالم الإسلامي ككل الذي يشكّل 25 في المئة من سكان
العالم. ومن شأن هذا أن يقوِّض كل فرص أميركا في مواصلة ممارسة الدور العالمي الذي
تأمل، كما كانت تفعل طيلة العقدين الماضيين.
بريجنسكي يتوقع مصيراً أسود لأفغانستان بعد الانسحاب
الاميركي، لأنها ستقع فريسة الصراعات بين الصين والهند وباكستان وإيران وروسيا
وأميركا، ويطرح علامات استفهام كبرى أيضاً حول مصير الدولة الباكستانية وما إذا
كانت ستسقط في يد الأصولية الإسلامية المتطرفة أو في حضن عسكريتاريا قومية متطرفة.
ولايستبعد الكاتب نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، لكنه يشير إلى أن لبنان وفلسطين
هما اللذان سيدفعان الأثمان الباهظة لمثل هذه الحرب. أما إذا ما انضمت أميركا إلى
الهجوم الإسرائيلي على إيران، فإنها ستشعل كل المشاعر الإسلامية في العالم ضدها.
وحينها سيكون مصير إسرائيل نفسه على المحك.
باختصار، لن يعدو الشرق الأوسط الكبير خلال العقد المقبل
على الأقل كونه قوس أزمات عنيفة من كل الأنواع. وفي حال انحدرت أميركا، فالأرجح أن
يتحوّل إلى ساحة الصراع الرئيس في الفوضى العالمية التي ستضرب كل قارة أوراسيا.
ماذا الأن عن مستقبل الخليج العربي في إطار هذه اللوحة
الدولية؟
(غداً
نتابع)
سعد
(*) Zbigniew Brezeninski:
Strategic Vision- America and the crisis of global power.Basic books, New York
2012.208 pages
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق