القوات الخاصة الاميركية: دور جديد وكبير (الصورة من غوغل |
- I -
انتهى دور الحروب الإقليمية الكبيرة،
وجاء دور حروب القوات الخاصة الامبرطورية.
هذه كانت الخلاصة التي خرج بها أمس
الكاتب الأميركي المقرّب من البنتاغون ديفيد أغناتيوس حول الدور العسكري الجديد
للقوات الأمبراطورية الاميركية، والتي تضمنت أيضاً النقاط الرئيسة التالية:
- سوكوم (وهي الحروف الأولى لقيادة العمليات
الخاصة الأميركية)، بدأت بناء شبكة عالمية من القوات الخاصة تغطي معظم الكرة
الأرضية، في الوقت نفسه الذي تنسحب فيه الجيوش الأميركية من ساحات معارك العقد
الماضي.
- القوات الخاصة ستكون أمضى سلاح في يد الولايات
المتحدة لمكافحة الارهاب والتطرف في عالم بات إلى حد كبير بلا حدود قومية.
- في معظم الأحيان، ستعمل هذه القوات
على تدريب وتسليح قوات خاصة محلية في الدول التي تعمل فيها، بهدف استخدامها وفق
توجيهات قيادة سوكوم.
هذا التطور كان رداّ عملياً على السؤالين
اللذين أطلّا برأسيهما بعد تعثّر مشروع
المحافظين الجدد الاميركيين في العراق وأفغانستان: هل هذه بداية النهاية لمبدأ بوش
حول " الحروب الاستباقية "، وهل يعني ذلك بدء إنحسار القوة العسكرية
الاميركية في العالم ؟
بيد أنه يبدو واضحاً الأن، وحتى قبل
ولادة قيادة سوكوم، أن فترة حياة هذين السؤالين لم تتجاوز عمر الزهور. إذ سرعان
ما تحركّت النخبة السياسية الحاكمة الاميركية بشطريها الديمقراطي والجمهوري
للتأكيد على أن جوهر التوجهات الامبراطورية الاميركية في العالم باق على حاله، وان
التغيير ( إذا ما كان ثمة تغيير ) سيقتصر على الشكل لا المضمون.
وبدورهم، المخططون العسكريون الأميركيون
لم يفهموا من مأزق العراق سوى انه مناسبة لخوض الحروب بوسائل أخرى. وهكذا فأنهم
يعملون الان لجعل الحروب اكثر كثافة وفعالية وأقل تكلفة مادية وبشرية. كيف؟ عبر التوفيق بين " مبدأ باول " ( الداعي الى تحديد
الاهداف الواضحة، وإستخدام القوة الكاسحة، وبلورة إستراتجية الخروج، قبل شن الحرب
) ، وبين " مبدأ رامسفيلد ( الذي يركّز على إستخدام قوات اميركية صغيرة تتمتع
بحرية بحرية مناورة واسعة، وعلى عمليات القوات الخاصة، والقوة الجوية ذات التكنولوجيا
السوبر متطورة ) .
ويبدو ان مأزق العراق سَرع الوصول الى هذه الاستراتيجية التوفيقية.
فقد تكهّن الكاتب الاميركي براد
نيكربوكر أنه من بين كل فروع القوات المسلحة، ست القوات الخاصة في الجيش البري
الاميركي الاكثر تأثرا بدروس الحرب العراقية. إذ هي ستبدأ إستعدادتها للانغماس في
النزاعات السياسية المعقدة، ومواجهة التمردات، وعمليات حفظ السلام، بدل التركيز
على الحروب النظامية.
- II -
هل هذه التغّيرات في دور وتركيبة الجيش
الأميركي ، نجمت كلها عن " دروس "
حرب العراق ؟.
كلا !.
هذه الحرب لم تخلق هذه التغيّرات ، بل سرّعت وتيرتها فحسب.
فبعد نهاية الحرب الباردة، إكتشفت
الولايات المتحدة ان غياب العدو الرئيس الوحيد عن ساحة المعركة ( الاتحاد
السوفييتي )، لم يعن تبخر التحديات التي
قد تبرز في أي مكان، بما في ذلك
الداخل الاميركي ضد المصالح والزعامة الاميركية في العالم.
وهنا ولدت إستراتيجية الامن القومي
الجديدة، والتي تطلبت في الدرجة الاولى بدء تغيير الجيش الاميركي من قوة نظامية
الى وحدات إمبراطورية، شبيهة الى حد ما
بوحدات الحرس الامبراطوري الروماني التي كانت تتنقل في كل انحاء العالم لقمع
تمردات " البرابرة ".
الجيش الاميركي بات يطلق على نفسه الان
إسم " القوة الموضوعية "، ( للتمّيز
عن القوة الذاتية النظامية السابقة ) ، وهو يضع لنفسه الاهداف الاتية :
1-
العمل على نقل فرقة
عسكرية اميركية الى أي مكان في العالم خلال 96 ساعة، لأن التحديات الامنية غير
المتوقعة في العالم تتطلب مثل هذه السرعة. النموذج: حرب أفغانستان .
2-
إتباع المرونة في
التعاطي مع الانماط المختلفة من الحروب، حيث أن بعض المجابهات تتطلب وحدات عسكرية كبيرة ( العراق )
، فيما تكفي مع بعضها الاخر الوحدات الصغيرة ( أفغانستان ، الصومال،
الفيليبين .. ألخ ) .
3-
بغض النظر عن طبيعة المهمة او المكان، يتعّين على وحدات الجيش الصغيرة التي ترسل
بشكل روتيني الان الى ما وراء البحار، أن تتمتع بجهوزية للتحرك في أي وقت، والى أي مكان.
-
III -
في أي إطار يجب وضع هذا المشروع العسكري
العالمي الطموح و" المستدام" الذي تضعه أميركا لنفسها ؟.
في
إطار المفهوم الإمبراطوري بالطبع.
فعلى رغم أن بعض الأميركيين لازال مترددا في وصف " القوة
المفرطة " الاميركية على أنها إمبراطورية، إلا أن هذه التحفظات بدأت تنحسر
بالتدريج لصالح ما يصفه محللون اميركيون بـ " حق الولايات المتحدة بأن تكون
إمبراطورية عالمية ، بسبب قيمها ومبادئها إضافة الى قوتها " .
هذا،
على سبيل المثال، مايراه الجنرال وليان أودوم وروبرت دوجاريك ، مؤلفا كتاب "
إمبراطورية اميركا غير المقصودة "، اللذان يشددان على أن الولايات المتحدة
تهيمن على العالم بوسائل لم تعرفها الامبراطوريات السابقة أبدا. فالثقافة
الاميركية تسيطر على كل مجالات الحياة في غالبية الدول. والقوة الاميركية هي قوة
أكاديمية، وعلمية، وإقتصادية، إضافة الى كونها عسكرية. وحقيقة أن الامبراطورية
الاميركية برزت من دون قرار واع من جانب زعماء اميركا السياسيين، هو ما يجعلها
" إمبراطورية غير مقصودة "، لكنها في الوقت ذاته إمبراطورية ضرورية .
لا
بل يقول محللون أميركيون الان أن الامبراطورية الاميركية ليست ضرورية وحسب، بل لا
غنى عنها أيضا. وهذا هو جوهر الدراسة التي
نشرها مؤخرا المفكر الاميركي نيل فيرغوسون
في دروية " فورين بوليسي "
بعنوان " عالم من دون قوة ". فهو
رسم صورة مخيفة عما يمكن أن يحدث للعالم،
إذا ما قررت الولايات المتحدة التخلي عن الزعامة
العالمية والعودة الى العزلة . وهو يرى ان البشرية ستعود حينذاك الى الحال
الذي كانت عليه في القرنين التاسع والعاشر ميلادي ، الذي شهد تراجع الامبراطوريات
البيزنطية والاسلامية والصينية ، وتفكك وتذرر العالم الى شظايا سياسية
متحاربة ومتقاتلة.
ويضيف
( وهنا الاهم ) ان السمة الرئيس لهذين القرنين،
اللذين إنحسرت عنهما القوة الامبراطورية ، هو غياب التوجهات العلمانية وغلبة الصراعات الدينية على جداول الاعمال
السياسية . ففي القرن التاسع، مزقّ الخلاف حول دور الايقونات في العبادة المسيحية
الامبراطورية البيزنطية. وفي القرن الحادي عشر نشبت الحروب بين البابا وبين رأس
الامبراطورية الجرمانية المقدسة حول من يحق له تعيين الاساقفة. وفي العالم
الاسلامي حكم الائمة ورجال الدين بشكل فعلي. وقد إنتهت هذه الحقبة بحروب مقدسة غير عادية هي الحروب الصليبية التي دشنها الاوروبيون العام 1095 .
الرسالة
هنا واضحة : من دون هيمنة الامبراطورية الاميركية على العالم، وفي غياب أي بديل أو
منافس جدّي لهذه القوة المفرطة، سيغرق هذا العالم في ظلام قرون وسطى دامسة
جديدة !.
ولتجنب
هذا المصير ، سيكون على العالم الامتثال لأملاءات القوة الاميركية المفرطة ، لا بل
أيضا الترحيب بالتدخلات الاميركية في كل
مكان، بما في ذلك بالطبع التدخلات العسكرية.
والحال
أن جميع فئات النخب الاميركية الحاكمة تبدو مقتنعة تماما بهذه الفكرة، يستوي في ذلك
الديموقراطيين كما الجمهوريين، الليبراليين كما المحافظين ، وحتى أيضا القوى
اليسارية الاميركية المعادية للامبريالية التي ترى هي الاخرى ( كما في كتاب "
الامبراطورية لنيغري ) أن القوة الاميركية
ليست لا إستعمارا جديدا ولا إمبريالية مستجدة ولا حتى طفرة قومية زائدة ،
بل هي إمبراطورية من نوع جديد تدمج العالم
وتندمج به.
وبهذا
المعنى ، تصبح اميركا هي العالم ، وتتحول قواتها الى فرق عسكرية في خدمة "
إمبراطورية العولمة " ، التي هي الوجه الاخر الحقيقي للأمركة.
قد
يعجب هذا الكلام بعض أنصار العولمة ، وقد يثير غضب غالبية الاطراف التي ترفض ان تكون " خدما " في بلاط
الامبراطورية الاميركية ( كما اعلن جاك شيراك قبل سنوات ). لكن هذا لن يغّير من
الامر شيئا : القوة الاميركية المفرطة لن تقبل بأقل من الهمينة التامة على "حديقتها
العالمية" الشاسعة.
سعد
محيو