قبل نحو أسبوعين، كان البيت الأبيض يصدر بياناً مفاجئاً
يدعو فيه بعض الدول العربية (في تلميح غير مباشر إلى السعودية وقطر) إلى وقف مد
العناصر الإسلامية المتطرفة في سورية بالمال والسلاح.
وقبل ذلك بأشهر قليلة، وبالتحديد في 2 أيلول/سبتمبر
2013، كان الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة
الأركان الأميركية المشتركة، يعلن أن وزارة الدفاع الاميركية "تدرس العمل مع
حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوروبا للمساعدة في بناء قوات معارضة
معتدلة لمواجهة المتطرفين الإسلاميين في سورية والعراق".
أضاف ديمبسي،
الذي كان يتحدث آنذاك خلال زيارة لكوريا الجنوبية،: "لدينا خبرة مذهلة في كسب شركاء وبناء تشكيلات للجيش والشرطة، لذلك
دخلنا في نقاشات في شأن كيفية إيجاد سبيل للتعاون في مسألة تطوير معارضة معتدلة،
وخصوصا من أجل التوصل إلى حل لبعض القضايا الإنسانية في شمال الأردن وجنوب
تركيا". واشار إلى أن هذه الفكرة ستكون فعالة في حال عدم حضور الرئيس السوري
بشار الأسد، بعد التوصل إلى حل لأزمة الأسلحة الكيميائية، مؤتمر جنيف- 2 لمحادثات
السلام حول سوريا توصلا إلى تسوية سياسية للازمة. وتابع :" عندها يمكن أن
تتاح الفرصة للدول ذات الآراء التي تتشابه معنا لتقديم مساهمات بطرق أخرى إذا ما
طلب منها ذلك"، موضحا أن هذه الفكرة لم "تصل بعد الى مرحلة الخطة".
وتابع: "أننا ننظر من الناحية العسكرية الآن، وأتحدث فقط كممثل للقوات
المسلحة الأميركية، لكننا نبحث أيضا في كيفية مساعدة القوات المسلحة اللبنانية
والأردنية وحلفاء أميركا من حلف شمال الاطلسي في تركيا وحتى العراقيين... نحاول
تطبيق عوامل اقتصادية وأشكال أخرى من المساعدات للعمل على تطوير ما يمكن تعريفه
بـالمعارضة المعتدلة".
آنذاك، علّق المحللون على
تصريح ديمسبي المهم هذا بالقول إنه في حال رؤية هذه الخطة النور، فقد يشهد الصراع
في كل من سورية والعراق تحولاً نوعياً على المستويات العسكرية والإديولوجية
والسياسية.
انطلاق التنفيذ
حسنا. يبدو أن هذه الخطة
المفترضة وضعت بالفعل موضع التنفيذ، وأن هذا بدأ يغيّر بالفعل لوحة الصراع المسلح
في منطقة الهلال الخصيب.
فقد توحّدت فجأة فصائل
مسلحة سورية عدة، بما في ذلك ضمناً جبهة النصرة، وشنّت هجوماً شاملاً ومنظماً على
كل مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" (داعش) من حلب
وإدلب في الشمال إلى مدينة الرقة في الشرق. وقد أكدت دوائر إعلامية موثوقة في يوم
واحد (فايننشال تايمز ونيويورك تايمز وواشنطن بوست- 8 كانون الثاني/يناير 2014) أن
الولايات المتحدة والسعودية (ولكن ليس قطر) تدعمان هذا الهجوم الذي أدى بالفعل إلى
انحسار كبير في المدى الجغرافي لنفوذ داعش.
وفي الوقت نفسه، كانت
الولايات المتحدة وروسيا (ولكن ليس السعودية) تقفان بقوة دبلوماسياً وعسكرياً إلى
جانب الحكومة العراقية في معركتها لاستعادة مدينتي الفلوجة والرمادي في غرب العراق
التي سيطر عليها "داعش".
إنها، إذا بالفعل، خطة
الجنرال ديمبسي وقد شقت طريقها إلى التنفيذ، لكن، لماذا هذه الحرب المزدوجة الآن
ضد داعش؟
خطايا داعش
الأسباب تبدو عديدة دولياً
ومحليا.
فواشنطن وموسكو تعملان
بتنسيق ودأب على وضع "الحرب العالمية" المنفلتة من عقالها في سورية في
صندوق دبلوماسي أُطلق عليه اسم مؤتمر جنيف-2، بهدف منع هذه الحرب من التمدد إلى
إقليم الشرق الأوسط كخطوة أولى، ثم لاحقاً لمحاولة إيجاد حل داخلي ما للأزمة
السورية. وبالطبع، فإن سيطرة داعش، مع إديولوجيتها الإسلامية المتطرفة والرافضة
لأي تسويات أو حلول دولية وإقليمية، على مناطق شاسعة من سورية، تقف حجر عثرة
كبيراً أمام هذا الجهد.
وعلى الصعيد المحلي، كان تنظيم
داعش، المنبثق من تنظيم القاعدة، قد نجح في استعداء كل حركات المعارضة السورية بلا
استثناء، على رغم أن 85 في المئة من هذه الحركات تنتمي إلى الإديولوجيا الإسلامية
المحافظة أو السلفية. وهو أنجز عملية الاستعداء هذه بسبب سلوكياته لا إيديولوجيته.
فهو كان يرفض التعاون أو حتى الوساطة بينه وبين كل الفصائل، ويعطي الأولوية القصوى
لبناء أسس الدولة الإسلامية، بدلاً من مقاتلة نظام الأسد في العراق أو نظام
المالكي في العراق، ويعتبر نفسه الوحيد المؤهل لزعامة مثل هذه الدولة.
هذا ناهيك عن أنه فرض في كل
مناطق سيطرته حكماً دينياً بالغ التطرف أشبه بحكم طالبان في أفغانستان، فمنع
الغناء والرقص والموسيقى ودور السينما والتدخين والتعليم باللغات الاجنبية والسفور
ولو الجزئي، وعمد إلى قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وتنفيذ الاغتيالات، بما في ذلك
اغتيال الطبيب حسين سليمان المكنى بأبو
ريان، قائد تنظيم أحرار الشام القوي، وهو الاغتيال الذي أطلق شرارة الهجوم على
داعش.
أبو بكر البغدادي (إبراهيم
عواد البدري)، زعيم داعش، هو الذي يقف وراء هذا المنحى المتطرف بسبب طموحه الجامح.
فهو حين كان يتزعم تنظيم دولة العراق الإسلامية، أرسل في منتصف 2011 عناصر لتأسيس
جبهة النصرة في الشام، ثم عمد العام 2013 إلى الإعلان عن دمج التنظيمين تحت اسم "الدولة
الإسلامية في العراق وبلاد الشام" على رغم أن جبهة النصرة رفضت الاندماج. هدف
البغدادي: إقامة دول إسلامية في العراق وسورية ولبنان والأردن، تكون قاعدة لحركة
جهاد عالمي تمهّد لإقامة دولة الخلافة.
وبالطبع، مع مثل هذا الطموح
الكبير، لن يكون البغدادي في وارد التوصل إلى أي تسويات او حلول وسط مع الأفرقاء
الإسلاميين الآخرين، على رغم التشابه أو حتى التقاطع معهم في ما يتعلق
بالإديولوجيا ومسألة إقامة الدولة الإسلامية.
إلى أين؟
هذه العوامل الخارجية
والداخلية، تقاطعت لتطرح مسألة الحرب ضد داعش على جدول أعمال القوى الإقليمية
والدولية عشية مؤتمر جنيف-2.
لكن، ما التأثيرات المحتملة
لهذا التطور على مآل المعارضة المسلحة السورية؟
الآراء تتباين هنا.
فثمة من يرى أن نظام الأسد
سيفيد من هذا الشرخ الكبير في صفوف الإسلاميين الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من
400 مقاتل من الجانبين، خاصة وأن داعش قد تحاول الآن الانتقام لطردها من حلب
والرقة بقية المناطق، عبر القيام بعمليات انتحارية ضد الثوار هذه المرة وليس ضد
قوات الأسد.
بيد أن محللين آخرين يرون أن
الأسد في الواقع سيكون الخاسر الأكبر من احتمال سيطرة عناصر إسلامية معتدلة على
ساحة المعارضة، الأمر لأن ذلك سيعرّض إلى الخطر كل استراتيجيته لتصوير الصراع على
أنه معركة بينه وبين التطرف والإرهاب الإسلاميين.
ويعيد هنا المحللون إلى الأذهان أن النظام
السوري هو الذي سهّل بروز المتطرفين الإسلاميين حين عمد في بداية الانتفاضة إلى
إطلاق سراح المئات منهم من السجون، وحين سهّل وصول الأسلحة والامدادات إليهم من
الدول المجاورة. (راجع هنا ورقة "سويس انفو" حول "لغز" حركات
التطرف الإسلامي).
* * *
خطة الجنرال ديمبسي بدأت تتوالى
فصولا. يبقى الانتظار لمعرفة التغييرات الكبرى التي ستطرأ من جراء ذلك على طبيعة
الصراع في العراق وبلاد الشام.
وهي، المناسبة، تغييرات
آتية لاريب فيها.
سعد محيو- بيروت
________________________
كادر
|
15 ألف مقاتل
أجنبي
في سورية؟
تقدّر مصادر دبلوماسية غربية موثوقة في بيروت عدد
المقاتلين الأجانب في سورية (سنّة وشيعة) بما يتراوح بين 10 إلى 15 آلاف مقاتل،
وهو رقم يفوق كل الجهاديين الأجانب الذين تدفقوا على العراق وأفغانستان إبان الحرب
فيهما.
وتوضح المصادر أن أغلبية المقاتلين الأجانب من السنّة
يأتون من ليبيا وتونس والسعودية، وبدرجة أقل من العراق الأردن والكويت ودولة
الإمارات وتشيشنيا وبعض الدول الأوروبية، وهو سيطروا في السابق على مساحات جغرافية
كبيرة في شمال سورية وفرضوا فيها صيغتهم المتطرفة والمتشددة من الإسلام. هذا في
حين يأتي المقاتلون الأجانب الشيعة من لبنان (حزب الله) والعراق وإيران وباكستان.
وتشير المصادر إلى سورية تحوّلت بالفعل خلال الأشهر
القليلة الماضية إلى نقطة جذب هائلة للجهاديين المتشددين من كل أنحاء العالم، وأنه
ينتظر أن تتضخم أعدادهم في الآتي من الأيام أكثر بكثير مما هي متضخمة الآن، في حال
استمر الصراع.
_______________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق