- I -
هل ثمة حاجة للإثبات أن العالم، أو النظام العالمي، أو
الجنس برمته، هو مشروع فاشل من ألفه إلى الياء؟ وليس الآن فقط بل منذ فجر التاريخ؟
لانعتقد. فمنذ أن اكتشف الإنسان أول أداة تكنولوجية، وهي
العظمة المسننة التي مكّنته من من مد مخالبه وأنيابه عشرات الأمتار، إلى أن حوّل
هذه العظمة إلى سفينة فضاء مدججة بأشعة اللايزر (كما في فيلم أوديسا الفضاء الشهير)،
كانت الفطنة المادية تسيطر على الحكمة الروحية والعقلية. والحصيلة: تاريخ من
الحروب الدموية المتصلة التي تخوضها مخلوقات مسها جنون وأمراض نفسية جماعية عضال،
وبات تشبه إلى حد بعيد الفيروسات القاتلة التي تقتل بيئتها ومجالها الحيوي وأسس
حياتها نفسها.
البشر كمشروع فاشل بات أمراً متفقاً عليه بين مروحة
واسعة من الباحثين والأدباء والمفكرين، الذي أصبحوا مقتنعين بأن الحضارات البشرية
كلها (عدا حفنة من القبائل البدائية المنقرضة التي كانت تعيش وفق قوانين
"أفاتار")، ومعها التطور البشري، كانت برمتها خطأ تاريخياً وخطيئة بحق
كوكب الأرض الذي تعتبر توافر ظروف الحياة فيه عملة نادرة في ما بين مليارات
مليارات مجرات الكون.
كيف؟
-
II -
فلنشر أولاً إلى أن دراسات السياسة عبر تشابكها مع
علوم الحياة، هي فرع جديد من فروع العلوم، يستهدف تعميق فهمنا لتأثيرات ما يسمى
" السلوكيات البيولوجية " البشرية والعوامل البيئية على مستقبل
المجتمعات وتطورها.
أحد قباطنة هذا الفرع الجديد، البروفسور لينوتن
كيث كالدويل، يرى أن المجتمعات البشرية الحديثة، وفي خضم إعادة تشكيلها للبيئة
الطبيعية، فشلت في الأخذ بعين الإعتبار الاهمية الهائلة لمضاعفات عمليات التغيير
هذه على ظروف الحياة على الأرض.
كتب، في دورية " السياسة وعلوم الحياة"
: " البشر الحديثون حققوا بمساعدة العلم (والتكنولوجيا المستندة إلى هذا
العلم) قدراً هائلاً من النجاح. لكنهم في الوقت نفسه، جعلوا الحياة نفسها مكشوفة
أمام مخاطر ضخمة، وأحاطوا المستقبل بعلامات إستفهام وتعجب أضخم. وهكذا، فإن
السلوكيات والإفتراضات التي خدمت الإنسانية لقرون طويلة، لم تعد مناسبة
الان".
علماء إجتماع آخرون ذهبوا إلى أبعد من ذلك. قالوا
أن الفتوحات العلمية والتكنولوجية التي مكنّت البشر من إعادة تشكيل الطبيعة وتحقيق
المستوى الراهن من الحضارة، لن تكون مجدية لأنقاذ الإنسانية. لماذا؟ لأن هذه
الفتوحات دفعت هذه الأخيرة إلى القفز فوق المخاطر العميقة الكامنة في تجاوز الخطوط
الحمراء التي رسمتها قوانين الطبيعة حول حدود إستخداماتنا للبيئة.
طيلة عهود سحيقة فيما قبل التاريخ، عاش البشر داخل
الأطر الطبيعية لتوازنات البيئة، مستفيدين من كرمها، ومتناغمين مع إيقاعاتها،
ومتأقلمين مع سلبياتها. بيد أن البشر المحدثين يعيشون الأن في بيئة إصطناعية
مخترعة، تطورت بأسرع مما تستطيع القدرات البيو- إنسانية التأقلم معها. وهذا ما تسبب بالتوترات الشديدة
التي يعيشها البشر الان على الصعد النفسية والإجتماعية والجسدية كافة.
لقد أطاحت
هذه التطورات بالمفاهيم والسلوكيات القديمة، وبات من الحاسم لبقاء الحياة والبشرية
تطوير سلوكيات جديدة تستند إلى الآتي:
1- إعادة تكييف
المعطيات السايكولوجية- البيولوجية البشرية ، ومعها البيئة الإصطناعية التي خلقها
البشر، مع البيئة الطبيعية.
2- الإدراك بأن وضع النفس
في مواجهة الديناميكيات الأساسية للطبيعة الكونية، لعبة خاسرة سلفاً. وكما قال
فرانسيس بيكون عن حق: " لكي نستطيع إدارة الطبيعة، يجب أولاً إطاعتها".
3- ثم اخيراً الوعي
بمسألة أخرى لا تقل أهمية: إذا أراد البشر ضمان مستقبل مستدام لحياتهم على هذا
الكوكب، فعليهم وقف إندفاعهم نحو نمو اقتصادي لا محدود يجري في بيئة طبيعية
محدودة، وأيضاً وقف إستخدام إنشطارات الذرة ليس فقط كأسلحة دمار شامل، بل حتى
أيضاً كطاقة سلمية .
-
III -
أين نحن من كل هذه التحديدات والتعريفات التي
إستحدثتها دراسات " السياسة وعلوم الحياة "؟
في لا مكان!
فلا قوانين الطبيعة في مجال المناخ( على سبيل
المثال) تحترم، على رغم كل التحذيرات من كوارث إحترار المناخ الذي يتسبّب به
البشر. ولا الدعوات إلى وقف التلاعب بنوات الذرات تستجاب. العكس يحدث، وعلى كل
المستويات، خاصة منها الان إندفاع 40 دولة لحيازة الأسلحة النووية بوصفها "
أسلحة عادية أو تقليدية".
إنه الجنون وقد بدأ يدّمر صاحبه، والأنانية وقد
باشرت قضم " أناها". إنه خطر " التدمير الذاتي" نفسه الذي وقع
على رأٍس كل الحضارات البشرية السابقة في التاريخ، والتي نسفت نفسها عبر نسفها
البيئة التي منها تعيش.
هل أمامنا مخرج ما من هذه المصير "غير المشرق"؟
أمر وحيد على ما يبدو: التضّرع إلى الله، لا لنسأله رد القضاء بل اللطف به.. بقدر الإمكان!
سعد محيو
___________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق