-
I -
مافرص نجاح، أو فشل، المفاوضات الإيرانية- الأميركية؟
المعطيات الأولية، كما أشرنا، إيجابية. فالرئيس الإيراني
روحاني تعهد في مقال نشرته "واشنطن بوست" (20 أيلول سبتمبر) بأن يُجري
مع الغرب مقاربة جديدة أطلق عليها اسم "الانخراط البناء". والرئيس
الأميركي أوبما "يتشوّق" لأي تسوية مع إيران تساعده على تجنب الكابوس
الذي يؤرق نومه منذ أن دخل البيت الأبيض قبل خمس سنوات: الوقوع في فخ حرب جديدة في
الشرق الأوسط.
فضلاً عن ذلك، تلعب الضائقة الاقتصادية الكبرى التي تمر
بها إيران هذه الأيام بسبب العقوبات الدولية والغربية، حيث انخفضت قيمة الريال
بأكثر من 60 في المئة خلال الأشهر الستة الماضية وارتفعت معدلات البطالة والتضخم
إلى مستويات شاهقة، دوراً كبيراً في الليونة الإيرانية المفاجئة. وهذا أساساً
مادفع مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي إلى لجم الحرس الثوري الإيراني عن التدخل
في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (كما فعل العام 2009)، وإلى الافصاح علناً للمرة
الأولى (في 16 أيلول الحالي) عن استعداده لابداء "المرونة الشجاعة" في
المفاوضات النووية مع إيران.
ويقابل هذا التغيير في الموقف الإيراني تغيير موازٍ في
الموقف الأميركي، حيث أثبتت إدارة أوباما طيلة السنوات الخمس الأخيرة أن أولاياتها
القصوى تكمن في إصلاح البيت الداخلي الأميركي وفي الاستدارة شرقاً نحو شرق آسيا.
وهذا ماجعلها تتخذ مواقف انسحابية من كل قضايا الشرق الأوسط تقريبا، من مصر
والعراق وتونس إلى سورية مؤخرا. كنا أن هذا ماجعل القيادة الإيرانية تشعر بشيء من
الطمأنينة بأن واشنطن ربما لم تعد تسعى إلى تغيير النظام الإيراني.
-
II -
بيد أن روحاني وأوباما ليسا اللاعبين الوحيدين في هذه
الرقصة الكبرى الجديدة في الشرق الأوسط. إذ هناك في داخل كلا البلدين قوى أساسية
يجب أن توافق أولاً على أي اتفاق: صقور الكونغرس الأميركي الموالين بقوة للوبي
اليهودي، وصقور الحرس الثوري الإيراني المتمثلين بـ"فيلق القدس" القوي
والنافذ.
وإلى هذه القوى، هناك إسرائيل التي قد يدفعها أي اتفاق
لاترى فيه أهدافها وقد تحققت، وفي ومقدمها منع إيران من امتلاك المعرفة النووية
العسكرية وانتاج اليورانيوم المخصّب، إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران لاجهاض
الاتفاق. وهناك السعودية ودول الخليج، التي تشعر بقلق شديد من احتمال ولادة
كوندومينيوم (حكم مشترك) إيراني- أميركي على حسابها. كما هناك تركيا التي تسعى هي
الأخرى لأن تكون زعيمة الغالبية السنيّة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي،
وبالتالي تريد أن تكون حاضرة بقوة في إي إعادة تنظيم جديدة لنظام الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، تبدو "الصفقة الكبرى"
الإيرانية- الاميركية التي لطالما تحدث الكثيرون عنها، مشروعاً صعباً أو على الأقل
بعيد المدى ويحتاج إلى إجماع أو شبه إجماع بين القوى الإقليمية الرئيسة في
المنطقة، مضافاً إليه الآن النفوذان الروسي والصيني اللذان تناميا بفعل العجز
والتعثر الأميركي الأخير في الأزمة السورية.
-
III -
بيد أن هذا لايمنع وصول إيران وأميركا إلى "صفقات
صغيرة" عديدة يبدو أن الطرفين مستعدان لإبرامها،: من الحرب الأهلية السورية،
ومستقبل دور حزب الله اللبناني في سورية ولبنان، إلى الحرب المشتركة ضد الإرهاب
والتطرف.. ألخ. وهذا ما ألمح إليه روحاني حين قال أنه يتعيّن على إيران والغرب
تغيير وجهة مسار مفاوضاتهما: من مقاربة مالاتريده الأطراف المعنية إلى ماتريده.
أما الصفقة الكبرى نفسها، فيجب أن تنتظر وضع الملف
النووي الإيراني الشائك ومعه العقوبات الاقتصادية الغربية على إيران على سكة الحل
الحقيقي، كجزء من نظام إقليمي أمني- استراتيجي جديد في كل الشرق الأوسط تتحدد فيها أدوار القوى
الإقليمية والدولية، وليس كمجرد صفقة إيرانية- أميركية ثنائية.
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق