-
I -
لم يجرؤ أحد خارج الولايات المتحدة على وصف الرئيس
أوباما بأنه شخصية ضعيفة، ومترددة، أو حتى متهاوية تحت الضغط. ولاعجب. فالعالم لايرى
أوباما كما تظهر صورته في المرآة، بل يراها من خلال عدسات أعتى قوة عسكرية في
التاريخ.
ولذا، يتم اختراع المبررات له إزاء تقلباته العجيبة في
الأزمة السورية، خاصة بعد أن حصل على "وعد" من الرئيسين الأسد وبوتين
بتفكيك الترسانة الكيمائية السورية بعد تسعة9 أشهر (قابلة للتمديد لتسع سنوات أو
ربما تسع عشرة سنة!): فهو رئيس لابوشي، أي
يريد أن يكون عكس ماكانه جورج بوش. وهو تبنى استراتيجية الاستدارة شرقاً نحو الصين
( Pivot) وغرباً نحو الداخل الأميركي
(بناء الأمة الأميركية)، ولذا لايريد سوى إدارة الظهر للشرق الأوسط برمته.
بيد أن الساسة والمواطنين الأميركيين ليسوا مضطرين لرؤية
أوباما بغشاء الدولة العظمى هذا. ولذا، مايرونه هو ما هو موجود: رئيس لايرأس
شيئاً، وصاحب قرار لا يقرر شيئا. وهاكم عينة سريعة على ما يعتقده هؤلاء:
- الكاتبة روث ماركوس: "الرئيس أوباما يعتقد أن
الانتقادات الموجهة إليه سببها أسلوبه في العمل، لا جوهر هذا الأسلوب. لكن هذا لايقنع
أحدا، لأنه لا يمكن الركون إلى الوعود الروسية ولا بالطبع السورية. وحتى لو تحققت
هذه الوعود، فهذا سيسفر عن تحصُّن النظام السوري ومواصلته قتل الآلاف من شعبه. إن
عجز أوباما عن اتخاذ القرارات، وتقلُّب مواقفه وآرائه، جعلت الجميع في الكونغرس
والإعلام "يحتقرون" " أداءه" و"يزدرونه".
- الكاتب ريتشارد كوهن: "أوباما فقد السيطرة على
السياسة الخارجية- هذا إذا ماكان عنده أصلاً سياسة خارجية- ، إلى درجة أنه بات
عليه الآن أن ينتظر الأسد لتنفيذ الصفقة مع الروس. كما عليه أن يواصل التهديد
باستخدام القوة، لكن المشكلة أن لا أحد يصدقه الآن. وهكذا، وبسبب إهمال أوباما
وتردده، مضافاً إليه وجود كونغرس غارق في العزلة، بات العالم أكثر خطراً بكثير على
الأمن القومي الأميركي".
وهذا رأي أقرّه حتى الكاتب البريطاني غيديون راتشمان
الذي، وعلى رغم اقتناعه بأن سوء أداء أوباما لن يمس مصداقية الدولة العظمى
الأميركية، إلا أنه اعترف بأن هذا الأداء أثار القلق من أن يشعر خصوم الولايات
المتحدة، كالصين وإيران، بالإغراء لاختبار مدى تصميم الإدارة الأميركية.
-
II -
هذا ما يراه الأميركيون من داخل. والأرجح أن حلفاء
أميركا من قادة الشرق الأوسط يرون المشهد نفسه، على الأقل في مجالسهم الخاصة.
إذ كيف يمكن بعد الآن للملك السعودي عبد الله، على سبيل
المثال، أن يثق بأن أميركا (في عهد أوباما) ستكون حليفاً موثوقاً في مجابهة نفوذ
دولة كإيران، ليس فقط في الحرب بالواسطة في سورية، بل حتى في داخل منطقة الخليج
العربي؟
أليس وارداً أن يكون أوباما في وارد إبرام "صفقة
كبرى" مع إيران، تساعده على المسارعة إلى الخروج من هذه المنطقة التي
"يكره" (الشرق الأوسط)، تماماً كما فعل حين خرج من بغداد بسرعة تشبه تلك
التي خرجت بها أميركا من سايغون؟.
ثم: كيف يمكن للملك عبد الله بعد الآن أن يثق بأن واشنطن
لن تقبل باختلال موازين القوى لصالح طهران- موسكو (وربما من ورائهما دول معاهدة
شنغهاي)، بعد أن جلست فوق السور، فيما الحرس الثوري الإيراني و"الحرس
القديم" الروسي يشنان حرباً علنية شاملة في سورية؟
الارجح أن الملك يتذكّر الآن أن ثمة تياراً قوياً في
أميركا (قد يكون أوباما جزءاً منه) يدعو إلى تقليص كبير للالتزامات الاميركية في
منطقة الخليج. أبرز ممثلي هذا التيار هو باري بوسن، مدير برنامج دراسات الأمن في مؤسسة
ماساشوستس للتكنولوجيا، الذي نشر مؤخراً في دورية "فورين أفيرز" دراسة
بعنوان :"انسحبوا- الدفاع عن قضية سياسة خارجية أميركية أقل نشاطاً". (Pull back: The case for a less activist foreign
policy) )
جاء في الفقرات المتعلقة بمنطقة الخليج على سبيل المثال:
- على المؤسسة العسكرية (الأميركية) إعادة تقييم التزاماتها في الخليج "الفارسي"، إذ
يجب على الولايات المتحدة أن تساعد الدول في هذه المنطقة على الدفاع عن نفسها ضد
هجمات خارجية، لكن ليس في وسعها تحمُّل مسؤولية الدفاع عنها ضد تمردات داخلية.
- واشنطن لاتزال في حاجة إلى إعادة تطمين دول الخليج
حيال الدفاع عنها ضد قوة إقليمية مثل إيران قد تهاجمها وتخطف ثروتها النفطية، لكن
لم يعد ضرورياً أن يقيم الجنود الأميركيون قبالة شواطىء هذه الدول، حيث أن وجودهم
يثير النزعة المعادية لأميركا ويربط الولايات المتحدة بأنظمة أوتوقراطية مشكوك في
شرعتيها.
-
III -
العاهل السعودي، الذي يقال أنه أبدى استعداداً لتوفير
تمويل خليجي للضربة الأميركية للنظام السوري بقيمة 15 مليار دولار، يفكر الآن
بالتاكيد بكل هذه المعطيات.
وحين يفعل، سيكون غيره من قادة الدول الحليفة لأميركا،
كتركيا واندونيسيا وكوريا الجنوبية والفيلبين وتايوان، وحتى اليابان، في وارد
إعادة النظر هم أيضاَ في علاقاتهم معها، وفي وارد التساؤل عن معنى "الخطوط
الحمر" والالتزامات الأميركية.
هل كان أوباما يدرك هذه المخاطر، حين تقلّب بلامسؤولية
كاملة إزاء الأزمة السورية، التي ستواصل ملاحقته كظله حتى وهو يهرب منها؟
الأرجح أن الأمر ليس على هذا النحو. فالرجل لايزال يعتقد
أن أسلوب عمل القوة العظمى ليس مهما، فيما هو في الواقع الأهم بالنسبة إلى دول
العالم.
سعد محيو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق