- I -
كلام كبير هو ذلك الذي قاله قائد القوات اللبنانية سمير جعجع أمس، تعقيباً
على الخطاب الأخير لزعيم حزب الله السيد حسن نصرالله.
نصر الله وجعجع أيام الحوار الودي (الصورة من غوغل) |
قال: " ثمة خطأ منهجي ارتكبه السيد حسن حين اعتبر ان طريقته في
المواجهة هي الطريقة الوحيدة، وممنوع على أي طرف لبناني آخر أن تكون لديه طريقته.
ما يقصده السيد هو أن ما يريده بديلا عن دولة الطوائف هو دولة طائفة، مايعني
استبدال دولة ميشال شيحا ورياض الصلح وبشارة الخوري بدولة حزب الله". وأضاف: "نصر
الله يريد دولة طائفة واحدة يترأسها ميشال خامنئي في ظل جمهورية اسلامية ايرانية".
لو أن هذا الكلام جاء في غير الظروف الراهنة،
لقيل بكل بساطة أن جعجع لايفعل شيئاً سوى ممارسة موهبته الفريدة في
"القفشات" السياسية، الطريفة وغير الطريفة، والتلاعب بالكلمات واللغة
التعبيرية مزدوجة المعاني، وشن الحملات الإعلامية المدروسة.
لكن الصورة ليست الآن ليست على هذا
النحو. فالوضع في لبنان يقف بالفعل على مفترق طرق خطر، بعد أن قذف حزب الله لبنان
برمته إلى المعمعة الدموية الإقليمية- الدولية الكبرى التي تصطرع الآن على الأرض
السورية. وعلى رغم أن أطرافاً سنّية لبنانية سبق لها أن رافقت أو حتى سبقت حزب
الله في رحلته السورية هذه، للقتال إلى جانب المعارضة، إلا أن مشاركتها هذه لاترقى
إلى أهمية انخراط حزب الله لأسباب عدة.
فهي محدودة التأثير عدة وعتادا، ولاتمثّل
(رسمياً على الأقل) قوى إقليمية أخرى أو تنفذ أوامرها الإديولوجية- اللاهوتية على غرار،
مثلاً، أوامر ولي الفقيه لحزب الله. هذا إضافة إلى أن هذا الأخير، وعلى عكس
المنظمات السنّية، يسيطر عملياً على الكثير من مفاصل الدولة اللبنانية الأمنية
والعسكرية والحكومية والتشريعية.
لكل هذه الأسباب تعتبر مشاركة حزب الله
في الحرب السورية على هذا النحو الواسع (مابين 4 إلى 10 آلاف مقاتل في محافظتي حمص
ودمشق)، هي المسؤول الأول أو الأهم عن تمديد الحرب الأهلية السورية إلى لبنان.
لكن، هل سيقتصر الأمر على مجرد خوض
الحرب بالواسطة (proxy war) على الأرض السورية، أم سيكون لحزب الله، ومعه
النظامين السوري والإيراني، أجندة أخرى تتعلّق بالعمل على "إعادة ترتيب"
الأوضاع في كل من سورية ولبنان في آن؟
- II -
هنا تكتسب كلمات جعجع عن دولة لبنانية جديدة
يرئسها "ميشال خامنئي" (أي جمهورية لميشال عون تحت مظلة ولي الفقيه
الإيراني) بدلاً من دولة الطائف الراهنة، أهميتها الخاصة.
فإذا ماكانت الفرضية التي أشرنا إليها أمس في
هذه الزاوية حول توجّه إيران إلى "تحصين" ماتبقى من نفوذ لها في منطقة
الهلال الخصيب بالقوة العسكرية، صحيحة، فهذا سيعني حكماً احتمال العمل بالفعل على
تغيير النظام السياسي اللبناني الحالي.
لكن كيف؟
هنا ثمة العديد من السيناريوهات. لكن أهمها
أثنان يتراوحان بين "التغيير الناعم" و"التغيير الخشن".
التغيير من النوع الأول هو ماكان يشير إليه
تكراراً السيد نصر الله منذ أشهر: تشكيل هيئة تأسيسية لإنتاج نظام سياسي جديد.
وبالطبع، مثل هذه الهيئة التأسيسية لن تنطلق من إتفاق الطائف لأنها أصلاً تريد
تغييره، بل من معادلات مختلفة يجب أن تأخذ في الاعتبار كلاً من المستجدات الديمغرافية
والاقتصادية والسياسية التي صبّت في مصلحة الطائفة الشيعية خلال العقود الأربعة
الأخيرة، إضافة إلى المستجد الأهم وهو وضع سلاح حزب الله على قدم المساواة مع
الدولة ضمن معادلة "الشعب والجيش والمقاومة".
بيد أن تحقيق مثل هذا الهدف من خلال العمل
السياسي دونه عقبات وممانعات، لأنه يمس توازنات طائفية تاريخية، في وقت تشهد
المنطقة برمتها انفجارات مذهبية ستعيدها في حال استمرارها ألف سنة إلى الوراء. لكن
هذا قد لايمنع بالضرورة حزب الله من طرح هذا المشروع قيد التداول السياسي.
هذه المعطيات تُفسح في المجال أمام "الخيار
الخشن" الذي قد يأخذ أحد شكلين أساسيين: إما قلب الطاولة كلياً على الصعيد
الأمني- العسكري بمشاركة بعض وحدات رسمية عسكرية تدين بالولاء للحزب والتيار
العوني، وبدعم كامل من النظامين الإيراني والسوري، أو الاكتفاء برسم خريطة عسكرية
جديدة تربط مثلث حمص- طرطوس- الهرمل بجنوب لبنان عبر السيطرة (أو على الأقل
الهيمنة) على قطاعي البقاع الغربي والجبل الدرزي.
- III -
أي السيناريوهين الأقرب إلى التحقق؟
التمديد لمجلس النواب، مضافاً إليه تورّط
قوات النخبة في حزب الله في حرب سورية، يعطيان الانطباع بأن الخيار الخشن ربما
يكون مؤجلاً، ولو إلى حين. بيد أن الحزب وإيران وسورية ليسوا بالطبع اللاعبين
الوحيدين على الساحة السورية. وبالتالي، إذا ما قررت الأطراف المحلية والإقليمية
الأخرى الرد على حرب حزب الله في سورية بإشعال الجبهات ضده في لبنان، فقد يجد هذا
الأخير نفسه مدفوعاً إلى السيناريو الثاني.
وحينها، سيكون حديث سمير جعجع عن مخطط إقامة
"دولة
طائفة واحدة يترأسها ميشال خامنئي في ظل جمهورية اسلامية ايرانية"، أكثر
بكثير من مجرد كونه "قفشات" سياسية أوألعاب لغوية.
سعد محيو