-
I -
ما الجديد في دعوة وزارة العدل والشؤون الإسلامية
البحرينية إلى "استئناف الحوار الوطني، بناء على توجيهات جلالة الملك حمد بن
عيسى آل خليفة، وفي ضوء دعوة جلالته كل أطياف الجمعيات السياسية والكتل المستقلة
إلى استئناف هذا الحوار والبناء على ماتحقق"، كما جاء في بيان الوزارة؟
لايبدو في الواقع أن ثمة جديداً، بل هو يبدو مجرد نبيذ قديم في زجاجات جديدة. فالتجاوزات الأمنية لم تتوقف وفق تقارير منظمات حقوق
الإنسان الدولية؛ وتوصيات لجنة بسيوني لم تر سوى القليل من النور منذ صدورها قبل
أشهر عدة. والأهم أن المناخ السياسي في المملكة لايزال يدور في حلقة الاستقطاب
المذهبي الحاد بفعل ألعاب صقور النظام والمعارضة والتدخلات الأكثر حدة للاعبين
الإقليميين الرئيسيين السعودية وإيران.
لكل هذه المعطيات، كان رد فعل كتلة الوفاق الحذر على هذه
الدعوة، والذي اشترط أن يكون الحوار "حقيقياً ويتجاوب مع مطالب الحرية
والكرامة والعدالة" في محله. فكل الحوارات الوطنية السابقة ذهبت أدراج الرياح،
إما بسبب الانقسامات داخل الأسرة والمعارضة وسيطرة المتطرفين على جدول أعمال
التطورات السياسية، أو بسبب الفيتو القوي الذي تضعه المملكة السعودية على مشروع
الملكية الدستورية في البحرين، أو بفعل بيانات إيران وحزب الله اللبناني التي تشعل
مخاوف السنّة البحرينيين والأسر الحاكمة الخليجية.
-
II -
هل هذا يعني أنه يتعيّن على المعارضة الديمقراطية رفض
دعوة الحوار؟
كلا، ولأسباب داخلية وخارجية في آن.
فآل خليفة يحتاجون إلى استعادة قدر من الاستقرار لإعادة
تحريك الثقة في النظام الاقتصادي المستند إلى الخدمات، والذي تضرر بشدة من اندلاع
الانتفاضة في 14 شباط/فبراير 2001 التي سيحتفل بذكراها السنوية الثانية بعد أيام.
وهذا قد يحفزهم على تقديم بعض التنازلات الأمنية والقانونية التي تخفف من وطأة
الاحتقان السياسي والمذهبي.
وحلفاء آل خليفة الغربيون، والذين يعتبرون دعمهم لبقاء
هذه الأسرة في السلطة "مصلحة استراتيجية" لهم (وفق فاينناشال تايمز)،
متحمسون هم أيضاً لحدوث انفراج ما ولو محدود في الحياة السياسية البحرينية، لأن هذا
يخفف من الاتهامات المُحقة لهم بممارسة معايير مزدوجة في التعاطي مع ثورات الربيع
العربي.
والأهم أن المنطقة في هذه السنة مقبلة على تطورات
إقليمية دراماتيكية سترخي بظلالها حتماً على المشهد المحلي البحريني:
- فالمفاوضات العلنية المباشرة بين الولايات المتحدة
وإيران مرشحة للإقلاع خلال أسابيع قليلة، وسيكون على رأس جدول أعمالها صفقة، أو
صفقات، جديدة بين الطرفين لمحاولة إيجاد تسوية دبلوماسية لكل من الملف النووي
وللنفوذ الإقليمي الإيرانيين في المنطقة.
وعلى رغم أن هذا الحوار غير مضمون النتائج البتة بفعل
رفض صقور السلطة الإيرانية له، والاعتراض القوي عليه من قبل إسرائيل والسعودية،
إلا أن مجرد بدئه ومن ثم استمراره لفترة من الزمن قد يغيّر طبيعة الديناميكيات
السياسية الراهنة في منطقة الخليج.
- فضلاً عن ذلك، سيكون للأزمة السياسية- الدستورية
المفتوحة في الكويت، وللصراع المفتوح هو الآخر بين ممالك الخليج (عدا قطر) وبين
حركات الإخوان المسلمين الحاكمين وغير الحاكمين، تأثيرات مباشرة على المعطيات
السياسية البحرينية.
وبالتالي، لن تخسر المعارضة البحرينية شيئاً حتى لو
انخرطت في حوار "غير حقيقي"، لأنه سيكون في مقدورها استخدام أي تطور
يطرأ على المعادلات الإقليمية المذكورة أعلاه لإضعاف متطرفي أسرة خليفة والمعارضة وتقوية
حجج الأطراف المعتدلة والإصلاحية فيهما.
لقد بات واضحاً مدى "الأقلمة" (من إقليمية)
العميقة التي طرأت على الأزمة البحرينية المتواصلة منذ سنتين، والمرشحة للتواصل
إلى أمد غير معروف. ولذا، يحسن بالمعارضة الديمقراطية البحرينية أن تضع هذه
الحقيقة على رأس جدول أعمالها، فتنشط لتوظيف أي/ وكل اختراق أو إنقلاب أو تطور
إقليمي لصالحها، في الوقت نفسه الذي تركّز فيه تركيزاً شديداً على اسقاط الصبغة
المذهبية عن الانتفاضة وعلى الهوية الوطنية البحرينية الجامعة.
-
III -
سهم التاريخ يسير في اتجاه طموحات الوطنيين البحريين.
وهذا ليس تفكيراً رغائبياً، بل هو قراءة موضوعية للمحصلات المحتملة للأعاصير
المحلية والدولية التي تجتاح الشرق الأوسط برمته منذ العام 2001.
وإذا ما امتلك الديمقراطيون البحرينيون الثقة بأن الرياح
ستجري بالفعل كما تشتهي سفنهم، ولو بعد حين، سيكونون أكثر براعة وحذاقة في التقاط
الفرص حالما تبرز، بما في ذلك فرص الحوارات الوطنية "غير الحقيقية"!
سعد محيو
العنوان نبيذ قديم في زجاجات جديدة في المقال :نبيذ جديد في زجاجات قديمة .... ربما خطأ مطبعي
ردحذف