-
I -
أشرنا بالأمس في هذه الزاوية (غداً اليوم، 19-1-2013)،
إلى أن الهجوم الدبلوماسي الأميركي الوشيك على إيران، قد يخلق للنظام الإسلامي
متاعب جمة في الداخل، لكننا لم نقل لماذا.
أوباما: هجوم دبلوماسي وشيك |
خامنئي: لاللتفاوض |
السبب هو تطور مفاجىء ظهر على سطح الحياة السياسية
الإيرانية لم يكن ممكناً تصوره قبل سنوات لا بل حتى أشهر قليلة، وهو تعالي أصوات
من معسكر المحافظين تدعو إلى التفاوض مع أميركا حول الملف النووي، بعد أن كانت هذه
الأصوات قصراً في الماضي على التيارات الإصلاحية والليبرالية.
المنطق الذي يطرحه هؤلاء مزدوج: فهم يقولون، من جهة، أن
الوقت الراهن ممتاز بالنسبة إلى إيران لإجراء مفاوضات, لأنها تنطلق من موقع قوة
على عكس ماكان عليه الأمر العام 2003 حين غزت أميركا العراق. وهم يضيفون، من جهة
ثانية، أن العقوبات الدولية القاسية بدأت تترك أثاراً مدمرة على كلٍ من الاقتصاد
والمجتمع الإيرانيين، وبالتالي لابد من امتشاق السلاح الدبلوماسي لدرء هذه المخاطر
الجسيمة على البلاد والنظام.
جوقة الإصلاحيين التفاوضيين تضم أسماء لامعة مثل محسن
رضائي، القائد السابق للحرس الثوري، الذي يركز في تصريحاته على أن التفاوض هو من
شيم الأقوياء لا الضعفاء؛ والجنرال محمد رضا نقدي، قائد ميليشيا الباسيج، الذي
أعلن بوضوح أنه "إذا ماتصرفت الولايات المتحدة على نحو ملائم، فنحن مستعدون
للتفاوض معها"، وغيرهما الكثير.
بيد أن هذه الطفرة التفاوضية المفاجئة في المعسكر
المحافظ، لاتزال تفتقد إلى رأس. وهذا الرأس لايمكن أن يكون سوى مرشد الثورة علي
خامنئي، الذي لايبدو حتى الآن أنه مستعد لخوض غمار الحوار مع واشنطن. وقد عبّرت
صحيفة كايهان، التي تعكس عادة آراء المرشد، عن هذاالتشدد حين حذّرت في افتتاحيتها
الأسبوع الماضي "الثوريين التعبين" من استخدام المتاعب الاقتصادية-
الاجتماعية للتلاعب بمشاعر الناس/ بهدف تقديم التنازلات على الصعيد النووي. هذا في
حين كان ممثل خامنئي في الحرس الثوري علي سعيدي يحذّر هو الآخر من "خدع"
لحمل إيران على التخلي عن برنامجها النووي.
-
II -
هذه المواقف المتضاربة، والحادة، من مسألة المفاوضات
تطفو على السطح حتى قبل أن تتقدم الولايات المتحدة رسمياً بعرضها الجديد إلى
إيران. فما بالك بعد أن يتم تقديم هذا العرض بالفعل؟
الأزمة الداخلية الإيرانية حينها ستتفاقم على الأغلب إلى
حد كبير، خاصة وأنه ستدخل على الخط مصالح اقتصادية مضاربة: بين قوى تسيطر على
مشاريع القطاع العام وتفيد من جو المجابهة مع الغرب، وقطاعات واسعة من رجال الدين
وتجار البازار والطبقات الوسطى والفقيرة، وحتى بعض الفئات البورجوازية، التي تعتبر
أن مواصلة "سباق التسلح" النووي والإقليمي الإيراني مع الغرب، سيسفر في
نهاية المطاف عن إفلاس إيران وانفجار نظامها من الداخل، كما حدث مع الاتحاد
السوفييتي السابق.
هذه نقطة.
وثمة نقطة ثانية لاتقل أهمية، وهي تتعلق برهان خامنئي
والاتجاه المتشدد الذي يمثّل على أن إيران قد تمتلك قريباً كميات كافية من
اليوارنيوم المخصّب، ما سيوفِّر لها "قدرة افتراضية" على انتاج سلاح
نووي في أي وقت تشاء. وهذا من شأنه قلب طبيعة المفاوضات مع الغرب رأساً على عقب
لصالحها.
بكلمات أوضح: كلا الطرفين الراغب في المفاوضات والرافض
لها يراهنان على عامل الوقت: فخامنئي وصحبه يعتقدون أن الزمن يعمل لصالح الاجندة
الإيرانية، وأنه ليس على طهران بالتالي سوى التحلي بالصبر الاستراتيجي لتحصل على
كل أو معظم ماتريد، فيما الطرف الآخر يخشى
أن يكون سيف الوقت مصلتاً في الواقع على رأس إيران من جبهتين: الاولى، مخاطر
الانهيار الكامل للعملة ومعها الاقتصاد برمته، والثانية، احتمال أن تنجح إدارة
أوباما في حشد جل الاسرة الدولية وراء عمل عسكري ضد إيران، في حال رفضت هذه
الأخيرة العروض الجديدة التي ستطرح عليها.
-
III -
لمن ستكون الغلبة في هذا الصراع الداخلي الساخن في
إيران، وما طبيعة الصفقة المحتملة التي قد تعرضها الولايات المتحدة والغرب عليها؟
(غدا نتابع)
سعد محيو
it's a good cop bad cop game.
ردحذف