-
I -
السؤال الذي سبق وتلا المعركة الدستورية الراهنة في مصر
هو: لماذا قررت جماعة الأخوان المسلمين الانتقال من شعارهم الشهير "المشاركة
لا المغالبة"، إلى "المغالبة لا المشاركة"، أي إلى ممارسة الحكم
عبر الأغلبية النيابية لا من خلال الوفاق الوطني؟
- أين تكمن قوة المعارضة المصرية الجديدة؟ - الصورة من غوغل |
للتذكير: كان الإخوان في الأشهر القليلة التي تلت سقوط
مبارك، يكررون بلا كلل أو ملل أنهم لن يغيّروا شعارهم هذا، ولن يسعوا إلى الحصول
على أغلبية المقاعد في البرلمان، والأهم أنهم لن يرشحوا أحداً لرئاسة الجمهورية.
لكنهم تراجعوا لاحقاً عن هذه الوعود، وانغمسوا بكليتهم في مسار معاكس تماما، على
رغم أنهم أرضوا بعض اليساريين والليبراليين بتحالفات انتخابية هامشية.
التبريرات التي قدّمها الإخوان بدت وقتها مُقنعة. فهم
قالوا أنهم اضطروا إلى الانغماس في حمأة المغالبة(أي الأغلبية النيابية)، لأن نظام
مبارك، الذي بقيت مؤسساته متماسكة بعد رحيل مبارك، كان ينشط بقوة لإجهاض كل مكاسب
الثورة. وقد تجلى ذلك بوضوح في استخدام النظام لـ"سلاح" القضاء لإجهاض
كل العملية الديمقراطية، بدءاً من حل مجلس الأمة المنتخب، وصولاً لاحقاً إلى احتمال
حل الجمعية التأسيسية.
بيد أن الرئيس مرسي والإخوان ذهبوا بعيداً في استخدام
هذه التبريرات المُحقة، حين اعتبروا أنهم الوحيدون المسؤولون عن حماية الثورة.
وهنا، القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي
وأعطى لنفسه فيه صلاحيات مطلقة، قبل أن يتراجع عنه قبل أيام. إذ أن هذا الإعلان
فجّر كل شكوك الحركات غير الدينية من أن مشاركة الإخوان في العمل الديمقراطي ليس
استراتيجية بل تكتيكا، وأنهم لم يقلعوا عنهم رداء الإديولوجيا ليرتدوا بدلاً منه
رداء العمل السياسي الديمقراطي.
لابل أكثر: شعر اليساريون والليبراليون والمسيحيون أن
الإخوان أبرموا "صفقة فاوستية مع الشيطان" على حسابهم، حين منحوا القوات
المسلحة في بنود مسودة الدستور الجديد حق الاحتفاظ بموازنتها سرية ومحضوا مصالحها
الاقتصادية الحصانة؛ وحين أبقوا أجهزة المخابرات كما هي من دون إصلاح. كما أنهم
باعوا الولايات المتحدة ماتريد أن تشتري: مواصلة مصر لدور "الوساطة" مع
إسرائيل الذي كان يمارسه نظام مبارك، كما دلَّت على ذلك حرب غزة-2. وكل ذلك في
مقابل إطلاق يدهم في الوضع الداخلي.
لكن يبدو أن الإخوان أخطأوا في الحساب. فهم رموا
بخطواتهم الدستورية الأخيرة اليساريين والليبراليين والمسيحيين في أحضان
"الدولة العميقة" المباركية (أي الأجهزة المخابراتية- العسكرية-
القضائية)، وخلقوا حلفاً موضوعياً بين الطرفين تجسّد مداً بشرياً ضخماً في ميدان
التحرير والعديد من ميادين المدن المصرية الأخرى. هذا إضافة إلى أنهم استعدوا معظم
أجهزة القضاء القوية ضدهم، بعد أن حاول الرئيس مرسي أن يضع نفسه فوق القانون.
-
II -
الأخوان يراهنون الآن على أن تسريع العملية الدستورية،
عبر إقرار مسودة الدستور (كما فعلوا بسرعة مشهودة في الجمعية التأسيسية صباح
الجمعة 30 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي) وطرحه على الاستفتاء، سينفّس الاحتقانات
الراهنة ويمكنّهم من مواصلة عملية الانتقال إلى الديمقراطية بشروطهم هم.
لكن هذا على الأرجح رهان غير صائب. فالعملية الدستورية
لاتشبه بشيء الانتخابات النيابية. إذ أن الاولى تعتمد على الإجماع الوطني، فيما
الثانية على أغلبية الخمسين زائد واحد. لا بل يعتقد كبار المنظّرين الدستوريين،
على غرار ستيفن هالمز، أن الديمقراطية نفسها" هي حكومة من خلال النقاش العام
وليس ببساطة إنفاذاً لإرادة الأغلبية.
-
III -
لقد وافق إئتلاف المعارضة اليسارية- الليبرالية على المشاركة
في الإستفتاء السبت المقبل، ربما لاعتقاده أنه سيكون في وسعه حشد عدد كبير من
الأصوات التي تقول لا للدستور في وضعه الراهن. والرهان هنا هو على أن نسبة الـ49
في المئة التي صوّتت لصالح مرشح القوات المسلحة احمد شفيق في انتخابات الرئاسة، قد
تنضم الآن إلى الصفوف المعارضة لمشروع الدستور.
والحال أن المراقبين المحايدين والقلقين على مصير
الانتقال الديمقراطي، يأملون أن يسقط مشروع الدستور في الاستفتاء، للأسباب
التالية:
أولاً، أن هذا سيطلق عملية تفاوض جديدة بين كل أطياف
المجتمع المصري للتوافق على دستور جديد يكون شاملاً للجميع (Inclusive ).
ثانياً، أنه سيعزز دعوة مرشح الرئاسة الإخواني سابقاً
عبد المنعم أبو الفتوح لجماعة الإخوان إلى "اعتبار الديمقراطية هدفاً وليس
وسيلة لفرض برنامجهم الإديولوجي" (على حد تعبيره). وهذا يمكن أن يتم من خلال
إقرار دستور وطني يبني الدولة المدنية الوطنية، بدلاً من دستور ذي لون (ديني)
واحد.
ثالثا، أن إعادة النظر في الدستور على أساس الإجماع،
سينقذ الإخوان المسلمين أنفسهم (ومعهم تجربة الانتقال إلى الديمقراطية) من كارثة
محققة ستحيق بهم حين ينتقلون إلى الشق الاقتصادي من برنامجهم. إذ في غياب إجماع وطني
على طبيعة النظام السياسي- الاقتصادي الجديد الذي يجب أن ينبثق من رحم مصر
الجديدة، ستشهد البلاد صراعات أقسى بكثير من الصراعات الراهنة على دور الدين في
الدولة، لايستبعد البعض أن تتضمن حتى ثورة أخرى، طبقية هذه المرة.
لكل هذه الأسباب، قد يكون من صالح الإخوان سقوط مشروع
الدستور الراهن.
أما في حال فوزه، كما يرجٍّح الآن، حتى ولو بنسبة تتراوح
بين 50 إلى 70 في المئة، فهذا سيشطر البلاد إلى معسكرين إديولوجيين متحاربين،
وستكون الشرارة التي ستشعل "الحرب" بينهما هو الوضع الاقتصادي المتفجّر.
وهذا ماقد يدفع المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية في
مصر نحو مفترق طرق خطر.
سعد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق