هل بدأت سورية تتحوّل إلى ساحة المواجهة الرئيس في
الانتخابات الرئاسية الأميركية (في مجال السياسة الخارجية) بين الرئيس باراك
أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني؟ وإذا ما كان الأمر على هذا النحو، كيف يمكن أن
يؤثر ذلك على البعد الدولي في مجريات الأزمة السورية؟
الجواب على الشق الأول من السؤال يمكن ان يكون سريعا:
نعم. كل المؤشرات تدل على أن رومني سيستخدم "الورقة السورية" لمحاولة
تصوير أوباما على أنه عاجز ومتردد وخائف في مجال السياسة الخارجية. وهذه على أي
حال هي التهمة الرئيس التي يوجهها دوماً كل جمهوري إلى كل ديمقراطي في الولايات
المتحدة، لأن الجمهوريين يعتبرون أنفسهم الأقدر على الدفاع عن الأمن القومي الأميركي (والآن عن أمن
امبراطورية العولمة).
صحيح أن رومني، الذي افتتح التراشق بالشظايا السورية مع
أوباما بالقول قبل يومين أن "العالم يتطلع إلى أميركا كي تقود، فيما نحن
(يقصد أوباما) نجلس في المقعد الخلفي آملين أن تنتظم الأمور بطريقة جذابة للعالم.
إن مايحدث في سورية غير مقبول"، لم يصل إلى حد الدعوة إلى التدخل العسكري
الأميركي المباشر، كما يفعل شيوخ جمهوريون آخرون، مثل جون ماكين، إلا أن مطالبته
بتسليح المعارضة السورية وبالانتقال إلى المقعد الأمامي في الحملة الدولية على
النظام السوري، تشي بأنه ينوي بالفعل تحويل سورية إلى عقب أخيل أوباما في السياسة
الخارجية.
مضاعفات هذا التطور ليست خافية في سنة الانتخابات
الأميركية. فالرئيس جورج بوش، على سبيل المثال، خسر معركة تجديد ولايته لأن منافسه
كلينتون اتهمه (من ضمن اتهامات أخرى) بأنه فشل في جعل أميركا تمارس دور القيادة في
العالم (كما يفعل رومني الأن مع أوباما حيال السورييين) لأنه رفض تسليح البوسنيين
في المعركة ضد الصرب". وجيمي كارتر خسر ولايته (من ضمن أشياء أخرى، لأنه فشل
في تحدي اتهامات الجمهوريين له بأنه عاجز عن إطلاق الرهائن الأميركية في إيران.
والآن، سيكون على أوباما أن يضع في حسابه أن كل
"إنجازاته" في مجال الأمن القومي الأميركي (من الإغارة على أسامة بين
لادن وقتله، إلى الإشراف على عمليات الدرون- الطائرات من دون طيار-، مروراً بختم
عقد من الحروب الأميركية في العراق وأفغانستان)، قد تكون عرضة إلى سهام رومني والجمهوريين
إذا ماتفاقم الوضع في سورية.
ماذا يعني تعبير "تفاقم الوضع"؟
أحد أمرين: إما وقوع مجازر جديدة مثل مذبحة الأطفال
والنساء في الحولة التي عبأت الرأي العام الأميركي على نطاق واسع، أو بدء تهديد
الأزمة السورية للأمن الإقليمي الشرق أوسطي (خاصة في تركيا ولبنان والأردن والعراق)،
كما حذَّرت بالأمس المندوبة الأميركية في مجلس الأمن سوزان رايس.
وقوع أحد هذين التطورين، سيجعل أوباما هدفاً سهلاً لنبال
رومني القاتلة، وقد يجبره على "خيارات ساخنة" لايزال يفضّل تجنُّبها في
الأزمة السورية خلال السنة الانتخابية.
وهذا يعني، بكلمات أخرى، أن السلطة السورية قد تحفر هي
بنفسها الحفرة التي يمكن أن يقع فيها أوباما في فخ رومني وتدفعه إلى المغامرة
برصيده العسكري داخل أراضيها، في حال واصلت حلَّها العسكري- الأمني العنيف، على
رغم كل الدلائل التي تشي بفشله.
ويبدو، من أسف، أن هذه السلطة لاتفعل الآن في الواقع إلا
هذا الأمر: تعميق الحفرة لها، ولأوباما.
لمن يستزيد حول هذا الموضوع:
تحليل منطقي يتسم بالموضوعية والدقة. ذلك أن أوباما بدأ يفكر الآن بمخرج من المأزق السوري الذي قد يطيح بكل أوراقه لأن الجمهوريين لن يدعوه وشأنه في كل الأحوال.
ردحذفشكراً أستاذنا وسلم قلمك.
عبدالله