للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأحد، 28 سبتمبر 2014

حروب السنة والشيعة: اكتشاف سلاح "الدمار الشامل"


- I-
كل المعطيات تدل، كما أشرنا بالأمس، على أن الدخول العسكري الأميركي الكثيف، والمفاجيء، على خط الصراعات العراقية والسورية، سيتمخض في نهاية المطاف عن "تدويل" الصدامات السنّية- الشيعية في ظل قسمة "عادلة" بين أميركا وروسيا، من ناحية، وعن احتمال دفع هذه الصدامات إلى ذرى غير مسبوقة، من ناحية ثانية.
وما يعزز هذا الافتراض معطيات الماضي القريب.
ففي أواخر آذار\ مارس 2006، أوفدت " لوموند" موفداً إلى بغداد لدراسة جوانب الوضع العراقي، خاصة منه إحتمالات الحرب الاهلية. بعد أيام قليلة، كان الموفد يرسل أولى تقاريره مشفوعة بالخلاصة الآتية: " اميركا في العراق( والتالي في باقي الشرق الاوسط الأسلامي) إكتشفت سلاحاً أخطر من أسلحة الدمار الشامل: الحرب المذهبية داخل الاسلام، بين السنّة والشيعة".
خلاصة مخيفة؟
بالتأكيد. لكنها حقيقية.
فالسؤال بعد الآن لم يعد: هل أو حتى ينجح الغرب في تفجير اللغم المذهبي في العالم الأسلامي، بل كيف. ويكفي للتأكد التلفّت حولنا قليلاً. حينها سنصطدم سريعاً بجملة حقائق  تصب في هذا الاتجاه.
وعلى سبيل المثال ، إشتكى الأكاديمي والوزير السابق جورج قرم شكوى مرّة مؤخراً من ان  كل الدراسات الغربية هذه الأيام  تركز على دراسة الطوائف والمذاهب والعشائر المفتتة للشرق الأوسط، بدل دراسة المفاهيم والعناصر الموحّدة له ماضياً وحاضراً.
إستنتاج قرم : الجسم الأكاديمي الغربي يتحّرك إما بدافع إستشراقي – إستعماري كذلك الذي حذّر منه إدوارد سعيد، عبر تطبيق نظريات الأنثروبولوجيا على شعوب الشرق ( التي تتحّول حينها إلى حيوانات إختبار)، أو بحافز غير بريء هو خدمة سياسات القادة الغربيين التقسيمية الجديدة في المنطقة.
وعلى سبيل المثال أيضاً، نشرت دورية " كومينتري" اليمينية الاميركية قبل فترة تقريراً حمل العنوان المثير: " كيف أساء الغرب فهم الشرق ؟ ". لكن من يبدأ بقراءة التقرير، سرعان ما يُصدم حين يعلم أن سوء الفهم هذا  يكمن، برأي الدورية،  في عدم تركيز الغرب على إستخدام  الصراع السنّي- الشيعي كـ"سلاح سياسي".
- II-

بالطبع، لسنا هنا في وارد نفي وجود خلافات أو صراعات على السلطة  والنفوذ والثروات بين السنّة والشيعة، خاصة في العراق.  فهذه باتت الان، وبعد الكوارث التي حلّت بالقوى العربية الحديثة من ناصرية وليبرالية وعلمانية وماركسية، مجرد تحصيل حاصل. بيد أن هذا شيء، وإعادة قراءة كل التاريخ الراهن على هدي الفتنة المذهبية، شيء آخر مختلف تماماً. هنا لاتصبح العوامل الداخلية هي الأمر الحاسم ، بل يناط الأمر كله  للعوامل الخارجية. هنا كذلك يصبح لنظرية " اللاإستقرار البناء " الذي أطلقها الباحث الأميركي روبرت ساتلفوف وتبنتها الأدارات الأميركية المتعاقبة، معنى وحيداً: تفجير البنى الاجتماعية العربية،  ليس لبناء الديموقراطية فوق أشلائها، بل لتأبيد الحروب الاهلية المذهبية " غير البناءة " فيها.
المفعول به هنا معروف. إنها  "الجماهير الطائفية والمذهبية" التي تقبل السير وراء قادة بلا ضمير يقودونها إلى المسالخ الدموية. أما الفاعل فلن يقتصر، كما قد يعتقد البعض، على أميركا والغرب، بل هو يتضمن أيضاً كل الغلاة المذهبيين  الذين ينفذون عملياً توجهات " اللاإستقرار البناء" الاميركية، وكل الدول الإقليمية التي تضع المذهبية في صلب توجهات الأمن القومي والسياسة الخارجية.
 قلنا أن الخلافات وإلأختلافات الفقهية  موجودة بين المذهبين الشيعي والسنّي. لكننا هنا نطرح سؤالاً غير بريء: كيف أمكن للشيعة والسّنة التوّحد في جبهة واحدة متراصة خلال المجابهة بين الحركة القومية الناصرية مع الغرب خلال الخمسينيات والستينيات،  إلى درجة إعتبار الأزهر الشيعية المذهب الخامس في الأسلام، وبروز فقهاء شيعة يسخّفون الخلافات السنية - الشيعية حول الخلفاء الراشدين، هذا فيما المجابهات الراهنة تستند، على العكس،  إلى تفجير الصراعات بينهما؟ ، كيف  كانت المذاهب الأسلامية في أواسط القرن العشرين سلاحاً في يد الامة، ثم إنقلبت في أوائل القرن الحادي والعشرين  إلى سلاح دمار شامل ضد الامة.
-III -
من المسؤول؟
مراسل " لوموند"  إكتشف في بغداد الأصابع الغربية (وبالطبع الإسرائيلية) وراء الكثير مما يجري. لكن، هل يمكن لهذه الأصابع ان تفعل شيئاً بدون دمى مرتبطة بها تنفذ هذه اللعبة الدموية الكارثية، سواء عبر أفاعيل المذابح الداعشية والمهداوية، أو عبر أحاديث الأهلًة المذهبية الشيعية والسنّية؟
ثم: أين القوى العربية، والإيرانية والتركية والكردية والمسيحية، المتنورة والمثقفة والمخلصة من هذه المذبحة الكبرى المفتوحة في المنطقة؟ وهل لازال في مقدورها بعد خلق تيار تقدمي تاريخي (وإنساني) مناهض لهذا الدمار المؤكد المتبادل؟

(للحدث صلة)
سعد محيو
للتواصل المباشر مع الكاتب:
saad-mehio@hotmail.com

                                                                                سعد محيو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق