للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

السبت، 27 سبتمبر 2014

أميركا وروسيا نحو "تدويل" الصراع السنّي- الشيعي



- I -
تساءلنا بالأمس (اليوم، غدا- 26-9-2014): ماذا أيضاً في جعبة الولايات المتحدة في حربها الجديدة في الشرق الأوسط؟وكيف سترد روسيا والصين وإيران على مايمكن أن يُعتبر بحق هجوماً جيوسياسياً أميركياً جديدا، ومن الطراز الأول كذلك؟
واشنطن تدرك تماماً أن حربها الجوية على الدولة الإسلامية، لن تكون بأي حال قادرة على إلحاق الهزيمة بها، ولا حتى احتوائها. لا بل قد يكون العكس هو الصحيح، إذا ما أدت لافعالية هذه الغارات من فوق إلى تعزيز معنويات مقاتلي وأنصار داعش من تحت، تماماً، كما أن حماس وحزب الله يعتبران عدم اندثارهما في وجه آلة الدمار الإسرائيلية انتصاراً في حد ذاته.
وثمة دليل أخر: على رغم مرور أكثر من شهر على الغارات الجوية (في العراق) وأسبوع على غارات سورية، لم يتوقف تقدُّم داعش في بعض المناطق، مثل بلدة عين عرب الكردية السورية، وبعض مناطق الرمادي وحتى في قرى لاتبعد سوى 50 كيلومتراً من بغداد.
هذا لايعني بالطبع أن داعش غير متضررة، مادياً، من هذا القصف. فمنشآتها النفطية التي تدر عليها أكثر من 30 مليون دولار شهرياً دُمٍّر معظمها، وكذا الأمر بالنسبة إلى مستودعات السلاح والمؤن ومراكز القيادة والتوجيه. والأهم أن الغارات عرقلت عملية بناء مؤسسات الدولة التي كانت تقوم بها المنظمة، بسبب اضطرار قادتها ووحداتها إلى الاختباء.
- II -

ومع ذلك، ومرة أخرى، الغارات لن تكون كافية لا لاحتواء داعش ولا بالطبع لإلحاق الهزيمة بها.
ولأن المخططين الأميركيين يدركون ذلك، فهم مضطرون لأن يبرموا تحالفات قوية ومتينة مع القواعد السنّية العراقية والسورية وفي باقي أنحاء المنطقة، طالما أن الشيعة والعلويين والأكراد لم يستطعوا تدمير داعش. وقد كان أحد المؤشرات الفاقعة على هذا الاتجاه، مشاركة  دول سنّية فقط، خليجية والأردن، مباشرة في الحرب الجوية، وما سيليها حتماً من تحركات قريبا اميركية- خليجية مكثفة نحو سنّة العراق وسورية.
جاء في تقرير حديث لـ"مؤسسة دراسة الحرب" الأميركية:
    "إن جوهر التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة في العراق وسورية هي مشكلة تمكين الطائفة السنّية العربية الممتدة من بغداد إلى دمشق ومن تركيا إلى الأردن من إلحاق الهزيمة بمشتقات القاعدة والمنظمات المنشقة عنها، خاصة وأن هذه المنظمات المتطرفة تتعمد التمركز في المناطق ذات الغالبية السنّية".
مواجهة هذا "التحدي" ستعني في العراق تشكيل ميليشيا سنّية سيتراوح عددها بين 150 إلى 250 ألف عنصر تحت مسمى الحرس الوطني، الذي سيكون تابعاً اسمياً للحكومة المركزية في بغداد، لكنه سيتحوّل فعلياً إلى سلطة حكم ذاتي قوية في المحافظات السنّية. وهذه ستكون نقطة اختلاف مركزية عن تجربة ميليشيات الصحوات في عامي 2007- 2008. فهذه الأخيرة شكّلت استناداً إلى سياسة فرّق تسد بين القبائل السنيّة، في حين يفترض أن كل القبائل السنّية أو معظمها ستُقبل الآن على الانضمام إلى حرس وطني تدربه وتسلحه الولايات المتحدة وتموّله دول الخليج (كما حدث أيضاً مع الصحوات).
في سورية، لاتبدو الصورة واضحة على هذا النحو. لكن ثمة أحاديث أيضاً عن جهود تبذلها السعودية والأردن، بما لهما من امتدادات مجتمعية في سورية بدعم من الولايات المتحدة، لإنشاء صحوات عشائرية سورية، جنباً إلى جنب مع زيادة تدريب القوات الخاصة السنيّة (عددها الآن تحت التدريب نحو 4000) التابعة لبقايا الجيش الحر.
في الأردن ولبنان، اللذين كانا الأهداف التالية في برنامج تمدد داعش قبل الغارات،  سيتم التركيز على تعزيز قدرات الدولة في كلا البلدين، مع تمكين القوى السنّية المعتدلة عبر المال (وحتى عبر السلاح إذا ما تطلب الأمر)، ودفعها إلى مواجهة الحركات المتنشددة، خاصة في الشمال اللبناني والجنوب الأردني.
بيد أن الحلقة الأقوى في " الخطة السنّية" الأميركية ستكون بالطبع تركيا. فإذا ما أُعطيت هذه الأخيرة  ماتطلبه من واشنطن، خاصة تغطية طموحها بإقامة مناطق عازلة داخل الأراضي السورية والعراقية، وبالتالي إطلاق يدها في تشكيل المستقبل السياسي لمنطقة الهلال الخصيب، فإنها ستكون أكثر من مستعدة لوضع الثقل السنّي التركي الكثيف في المعركة ضد الدولة الإسلامية والقاعدة.
- III -
حين تكون الولايات المتحدة بالدف السني ضاربة، فماذا يمكن أن يُنتظر من إيران وروسيا أن تفعل غير تعزيز مواقع الشيعة في مواجهة هذا التحالف الاميركي- السني الجديد، خاصة وأن مثل هذا التحالف سيوجّه نصاله في نهاية المطاف إلى حلفائهما الرئيسيين: الأسد في دمشق، والقوى الشيعية الحاكمة في بغداد.  
وهذا يعني أنهما ستعمدان إلى تعزيز الميليشيات الشيعية الحالية في العراق، والميليشيات الأقلاوية العلوية والمسيحية والشيعية في سورية، إضافة بالطبع إلى حزب الله، بعد أن فشل الجيشان النظاميان العراقي والسوري في القيام بمهمة انهاء التمرد السنّي.
والحصيلة؟
إنها واضحة، أو يفترض ذلك: تدويل الصراع السنّي- الشيعي، وتحويله إلى أداة رئيس في الصراعات الدولية الراهنة التي عادت (كما أشرنا بالأمس) إلى حقبة الصدامات الجيو- سياسية التي كانت سائدة قبل الحرب الباردة.
وهذا سيكون بمثابة حريق إقليمي كبير جديد أكثر هولاً، كما سنرى في حلقة ثالثة من هذه المقالات.
سعد محيو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق