للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الجمعة، 26 سبتمبر 2014

لماذا عاد أوباما إلى الشرق الأوسط؟



-     I  -
السؤال الأبرز الذي طفا على السطح بقوة مع بدء الغارات الجوية الأميركية الكثيفة، والمفاجئة في الواقع، على الدولة الإسلامية هو: هل يملك الرئيس أوباما استراتيجية واضحة تتعلق بالأهداف والمرامي من وراء هذه المغامرة الكبرى الأميركية الجديدة؟

هذا السؤال مبرر للغاية: فالرجل القابع في البيت الأبيض أمضى ست سنوات كاملة وهو ينظّر لانتهاء حروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ورفض ضغوط كل المؤسسات الأميركية، من البنتاغون والخارجية إلى مجلس الأمن القومي، للتدخل حتى كان الرئيس السوري الأسد يتجاوز الخطوط الحمر الأميركية الواحد بعد الآخر. ليس هذا وحسب، بل استكمل أوباما هذه الخطة الانحسارية باستراتيجية الاستدارة شرقاً (Pivot ) نحو آسيا- الباسيفيك التي عنت عملياً إدارة الظهر للشرق الأوسط.
الآن تغيّرت الصورة: فباراك أباما انقلب بين ليلة وضحاها إلى جورج بوش آخر. وصيحات السلام والتعاون الدوليين اللذين كان يتغنى بهما الرئيس الأميركي من فوق منابر الأمم المتحدة وردهاتها، تطورت قبل يومين في خطابه أمام الجمعية العامة إلى صرخات حرب تصم الآذان، وكأننا أمام رئيس جمهوري من المحافظين الجدد.
ماذا جرى كي تنقلب الحمامة إلى صقر؟ هل قتل مواطنين أميركيين إثنين كان أخطر بكثير من أزمة كبرى في أوكرانيا بدأت تتسرب منها روائح حرب باردة جديدة في أوروبا؟ هل تبدد الخطر الأصفر في الباسيفيك، إلى درجة تسمح للولايات المتحدة بتحويل الاستدارة شرقاً إلى دوران مجدداً حول الشرق الأوسط؟ ثم: ماذا عن مجابهة المخاطر التي تتعرّض إليها الآن العولمة في طبعتها الأميركية، والتي قد تجرف معها (في حال استمرارها) أسس الزعامة الأميركية نفسها في العالم؟
لاموسكو ولابيجينغ ولاطهران تصدّق بالطبع، وهي على حق، أن إطلاق أضخم ترسانة عسكرية في التاريخ، هدفه الوحيد الانتقام أو  فرض الهيبة. أميركا تعرّضت إلى إذلالات كبرى في السابق ولم تحرّك ساكنا: من قتل مئات رجال المارينز في بيروت العام 1982 وقبلها احتجاز عشرات الرهائن الدبلوماسية في طهران، إلى مئات عمليات الخطف والاغتيال والاحتجاز التي تعرّض إليها مواطنون أميركيون في الشرق الأوسط.
كذلك، هذه العواصم على حق أيضاً حين تشك بأن واشنطن تريد حقاً القضاء على داعش كلياً، أو حتى بأنها ستُتبع عملياتها العسكرية بطرح حلول سياسية للعراق وسورية، وبالتالي تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
 الدليل؟ إنه واضح من البيانات الأميركية المتلاحقة التي تتحدث عن حرب تستمر ثلاث وخمس وعشر سنوات، من دون أي إشارة إلى "استراتيجية خروج" سياسية من هذه المعمعة، حتى الآن على الأقل.
-     II  -
ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني أن المحللين الذين يعتقدون أن أوباما دخل هذه الحرب الجديدة ضد "الإرهاب" من دون استراتيجية، محقون، طالما أن كل الأحاديث هي الآن أحاديث حروب وقتال.
لكن ثمة من هم على حق أيضاً حين يقولون أن غياب الاستراتيجية الخاصة بالارهاب، لايعني في الواقع الغياب التام لكل/أو أي استراتيجية. العكس برأيهم هو الصحيح. بيد أن هذه الاستراتيجية لاتتعلق فقط، أو أساساً، بالمنطقة بل بمجمل الصراع الدولي مع روسيا والصين. الشرق الأوسط هو البوابة أو المدخل إلى توجه جيو- استراتيجي أميركي جديد في قارة أوراسيا.
أول من تنبأ بهذا التطور كان المحلل الأميركي وولتر رسل ميد، الذي رسم (فورين أفيرز- أيار/مايو 2014) الصورة التالية لآفاق الوضع الدولي، والتي ستحتم على الولايات المتحدة برأيه "العودة إلى التوجهات الجيوسياسية القديمة":
-       التنافسات الجيوسياسية اجتاحت مجددا المسرح العالمي: من احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، إلى مطالب الصين الحادة في المياه الآسيوية الساحلية وردود اليابان عليها باستراتيجية قومية حادة، مروراً بمحاولات إيران استخدام تحالفها مع سورية وحزب الله للسيطرة على الشرق الأوسط.
-       كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعتقدان أن الصراعات الجيوسياسية انتهت مع نهاية كل من الحرب الباردة والتاريخ، وحلّت مكانها تنافسات مابعد الحداثة والعولمة والتجارة وحقوق الإنسان وتغير المناخ وغيرها.
-       لكن هذا كان تحليلاً مخطئا. ذلك أن انهيار الاتحاد السوفييتي عنى انتصار الرأسمالية الليبرالية على الشيوعية، لكنه لم يعنٍ أن القوة الصلدة أصبحت عملة عتيقة. فالصين وروسيا وإيران لم تقبل أبداً التسوية الجيو- سياسية لما بعد الحرب الباردة وهي تحاول معاً تقويضها. ومثل هذه العملية لن تكون سلمية. ولذا يتعيّن على الولايات المتحدة وأوروبا العودة إلى المسرح الجيو-سياسي مجددا.
-     III  -
-        
حسنا. أوباما عاد بالفعل إلى هذا المسرح، عبر الشرق الأوسط.
فهو خلط بقوة موازين القوى في العراق بعد أن ترك داعش تحتل الموصل وأجزاء واسعة من شمال غرب إيران، ما أدى إلى سقوط رئيس الحكومة المالكي وزعزعة النفوذ الإيراني برمته في بلاد الرافدين. ثم أنه أتبع ذلك بالعودة العسكرية القوية بطلب استجدائي من حكومة بغداد.
وفي سورية، ضرب أوباما عرض الحائط بكل التحذيرات الروسية من الدخول العسكري إليها من دون موافقتها (عبر مجلس الأمن) أو موافقة الأسد، فباتت الأجواء السورية مسرحاً حراً للعمليات العسكرية ليس فقط الأميركية بل أيضاً لأعداء الأسد السعوديين والقطريين. "سورية الروسية" مستباحة الآن بالكامل، على رغم أن علينا الانتظار قليلاً لمعرفة ردة فعل موسكو وطهران.
وفوق هذا وذاك، كانت واشنطن تستعيد المبادرة على الصعيد الدولي مع تشكيل تحالف دولي واسع، يندرج اسمياً تحت شعار مكافحة الإرهاب لكنه يستهدف فعلياً إعادة الاعتبار للزعامة الأميركية في مواجهة روسيا والصين.
-     ***  -

ماذا في الجعبة الأميركية أيضا؟، وكيف سترد روسيا والصين على هذه "الشقلبة" الكبرى في موازين القوى الشرق أوسطية والدولية؟
(للحدث صلة)
سعد محيو
_____
للتواصل المباشر مع الكاتب:
Saad-mehio@hotmail.com

 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق