للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

انتفاضة "ربيعية" واحدة لمجابهة "الشتاء النووي السوري"

انتفاضة "ربيعية" واحدة لمجابهة "الشتاء النووي السوري"

I
""لدينا كم هائل من الأدلة على ارتكاب جرائم خطيرة للغاية. جرائم حرب ضد الإنسانية، وعلى أن مسؤولين سوريين على أعلى المستويات، متورطون في هذه الجرائم.
"كما ثمة أدلة على أن قوات المعارضة المسلحة في سورية ارتكبت انتهاكات ضد حقوق الإنسان. وعلى أي حال، مدى الانتهاكات التي ارتكبها الجانبان تفوق التصوّر".
هكذا تحدثت أمس نافي ببلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الامم المتحدة في تقريرها الجديد والأخير حول الأوضاع الإنسانية في سورية. وعلى رغم أن هذه لم تكن المرة الاولى (بل ربما العاشرة) التي تحذِّر فيها لجنة حقوق الإنسان الدولية من الكارثة الإنسانية الزاحفة في بلاد الشام، إلا أنها كانت المرة الأولى التي تتهم فيها الرئيس بشار الأسد بالتورط في هذه الجرائم.
لكن، لماذا الآن؟
II

نسارع إلى القول أننا لانشكك لحظة بنزاهة هذه اللجنة ولابصدقيتها. فهي مشهود لها بالأمانة المهنية والحيادية السياسية. لكن، مع ذلك، قد يكون وارء الأكمة ماوراءها من مناورات غربية، تنوي استخدام التقرير الجديد للضغط على موسكو وطهران بهدف استبعاد الأسد عن المحصلات المنتظرة لمحادثات مؤتمر جنيف-2 (في حال انعقاده).
وهذا ليس أمراً مضراً في حد ذاته. فالرجل أثبت بالفعل أنه شخصية سايكوباثية لاتتأثر لحظة بالمعاناة الأسطورية شعبه، ولاحتى هو يذكرها أو يتذكرها خلال لقاءاته "الباسمة" و"الواثقة بالنصر" مع زواره ومريديه.
مانخشاه هو ان يتم التركيز على الأسد ويتم تناسي الكارثة الإنسانية الكبرى، تماماً كما تناست أميركا كل جرائم الحرب في سورية حين حصلت (لإسرائيل) من النظام السوري على ورقة تدمير الأسلحة الكيمائية.
وهاكم، في هذا السياق، مثالاً سريعاً على مايمكن أن يكون بالفعل "سقوطاً" أخلاقياً فاقعاً وشاملاً في المقاربة الدولية للمأساة السورية:
في 4 آب/أغسطس 2011، قال الرئيس أوباما في توجيه رئاسي:" إن منع الفظائع (في سورية) هو في جوهر المصلحة القومية الأميركية وفي جوهر المسؤولية الأخلاقية".
وفي 13 أيلول/سبتمبر 2013، قال أوباما في مقابلة تلفزيونية: " أعتقد أن سلوكيات الأسد أشعلت خرباً أهلية أدت إلى مقتل أكثر من 100 ألف شخص وتشريد ست ملايين آخرين، لكن الولايات المتحدة لاتستطيع أن تدخل وسط حرب أهلية يخوضها طرف آخر. أنا كنت مهتماً بالاسلحة الكيمائية لأنها تتعلق مباشرة بالمصلحة القومية الأميركية. وإذا ما تحقق هدف إزالة هذه الأسلحة نكون قد فعلنا أمراً صحيحا"!.
بين 4 آب/أغسطس و13أيلول/سبتمبر، كان أوباما يتنقل من موقع اعتبار الفظاِئع خطراُ عل الأمن االقومي، إلى اعتبارها شأناً لاعلاقة له البتة لا بالمصلحة القومية الأميركية بل بالولايات المتحدة نفسها بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم.
وهذا الانقلاب يفسّر بشطحة قلم كل أسباب استمرار الكارثة الإنسانية في سورية: فأميركا ومعها المجتمع الدولي أعطيا النظام السوري كل الأضواء الخضراء الضرورية لمواصلة المذبحة (والمذبحة المضادة من قِبَل غلاة المعارضة) في البلاد.
III

إن الشتاء بدأ يطرق الأبواب. وكل الدلائل تشير إلى أن مئات آلاف السوريين في داخل سورية وخارجها، لن يستطعوا الصمود وهم عراة في وجه البرد والصقيع والعواصف.
فماذا نحن الشعوب العربية العادية فاعلون؟
هل سنستمر في صمتنا القاتل وكأن مايجري مجرد ملاكمة عسكرية وسياسية عادية وليس انهياراً شاملاً لكل معاني الحضارة الإنسانية ولمبررات وجودها؟ هل سنواصل الرهان على مواقف أميركية ودولية لن تأتِ، فيما عدّاد الموت والدمار يسير بسرعة مجنونة لاسابق لها في التاريخ الحديث؟
آن الأوان كي نتحرك جميعاً، ليس لمناشدة القوى الدولية والإقليمية العمل على وقف أضخم مذابح القرن العشرين، بل للضغط عليها بكل الوسائل كي توقف مؤامرة الصمت عن عملية اغتيال وإبادة شعب بأكمله.
تجربة الربيع العربي أثبتت ان الشعوب العربية "تستطيع". وحان الوقت الآن لاستخدام هذا السلاح الربيعي لاسقاط مؤامرة الشتاء السوري الطويل، الذي بات يشبه بالفعل الشتاء النووي المدمّر  للحضارات الإنسانية. لكل الحضارات.

سعد محيو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق