للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

من السعودية إلى إيران مروراً بالمقاومة والممانعة: 3 مفارقات "ساخرة"



ثلاث مفارقات ساخرة (وطريفة إذا ماكان في التاريخ البشري شيء "طريف") في شرق أوسط جديد يوشك أن يولد الآن.
المفارقة الأولى:
المملكة العربية السعودية، التي تنفق مئات ملايين الدولارات سنوياً للتبشير بالإسلام في كل العالمين المسيحي و"الوثني"، تجد نفسها في تحالف استراتيجي مع روسيا الأرثوذكسية "الكافرة" ضد الإسلام السياسي في المنطقة العربية.
هذه قد تكون الحصيلة الأولى للزيارة الثانية التي يقوم بها الأمير السعودي بندر بن سلطان إلى موسكو خلال شهر واحد، والتي يبدو فيها التفاهم واضحاً بين الطرفين حول ضرورة دعم النظام المصري ضد جماعته الإخوانية، وحول التصدي للجماعات الإسلامية السياسية الأخرى التي يناصبها النظام السعودي العداء، والتي يضع النظام الروسي عملية المجابهة معها على رأس أولويات استراتيجية أمنه القومي، من شمال القوقاز وآسيا الوسطى إلى سوريا وكل غرب المتوسط.
هذا الحلف الجديد لما يولد بعد. لكن معالمه قد تتضح قريباً بكل تلاوينها الاقتصادية والمالية والتسلحية، في حال توصل بندر والرئيس بوتين إلى اتفاق على رأس الرئيس الأسد، بعد ان اتفقا على مايبدو على رأس الرئيس مرسي. ويبقى أن نعرف في وقت لاحق كيف ستتموضع الإديولوجيا الوهابية السعودية مع النزعة المسيحية الأرثوذكسية المنبعثة حديثاً في روسيا في هذا الحلف "الطريف" الجديد ضد الإسلام السياسي.
المفارقة الثانية:
طيلة نيف وثلاثين عاماً، كانت الثورة الإسلامية في إيران تبني جيلين جديدين كاملين من مواطنيها عبر التعبئة ضد مؤامرات "الشيطان الأكبر" الأميركي، الذي حلّ في الذاكرة الجماعية الإيرانية محل "الشيطانين الأكبرين" السابقين الروسي والبريطاني اللذين اقتسما إيران، نفوذاً وهيمنة، طيلة ثلاثة أرباع القرن العشرين.
الآن، وبعد الصفقة النووية المرحلية بين طهران وواشنطن، والتي وُلدت من رحم مفاوضات سرية بين "الملائكة الإيرانيين" و"الشياطين الأميركيين"، سيكون على السلطة الإيرانية أن تُقنع جمهورها بأن الشيطان لم يعد فجأة شيطاناً، أو أنه لم يكن في الواقع شيطاناً بل ملاكاً في لباس تنكّري.
طهران بدأت بالفعل هذا المسعى. فتعابير الشيطان الأكبر بدأت تختفي من شوارع طهران بالتدريج، وشعار "الموت لأميركا" الشهير تراجع نسبياً في أدبيات الثورة الإسلامية. هذا في حين أن زعيم حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، والذي كان يُغدق بسخاء طيلة عقدين اتهامات العمالة ضد حلفاء أميركا العرب، لم يجد مايقوله حول هذا التقارب المفاجيء مع الشيطان الأكبر سوى التنديد بالقوى الإقليمية المتوجسة منه.
وقريباً على الأرجح ربما نسمع فتاوى دينية في طهران وحارة حريك تقول بأن نصراً إلهياً خفياً هو الذي جعل "الشيطان الأكبر" الأميركي يتوب عن موبقاته، ويثوب إلى رشده، فيتحوّل إلى مشروع ملاك جديد، أو على الأقل إلى شيطان بلا قرون.
المفارقة الثالثة:
حتى ماقبل أيام قليلة، أي قبل ولادة الصفقة الأميركية- الإيرانية، كانت صورة الاستقطاب واضحة في الشرق الأوسط: إيران وسورية وحزب الله اللبناني يقودون جبهة المقاومة والممانعة ضد الامبريالية الأميركية وربيبتها الصهيونية ومعهما جبهة الاستسلام والتبعية بقيادة السعودية ومصر وتركيا.
الآن ربما حان الوقت لتبادل التسميات والأدوار. فالسعودية وإسرائيل هما الآن اللتان تمانعان التوجهات الأميركية في الشرق الأوسط، و"تقاومان" أي محاولة أميركية لإعادة رسم المنطقة على صورة أميركا الأوبامية الجديدة. هذا في حين أن سورية وإيران تبديان كل استعداد للاستسلام الكامل لإملاءات" الامبريالية الأميركية" وشروطها. (بما في ذلك خلع كل الأثواب الكيميائية والنووية).
* * *
ماتفسير هذه المفارقات الغريبة؟
هناك تفسيران ممكنان، لاتفسير واحد:
الأول، أن "الضرورات تبيح المحظورات" في عرف البراغماتيين الإسلاميين.
والثاني، أن "الخيانة مسألة تواريخ"، كما كان يردد دائماً هنري كيسينجر.
وكلا التفسيرين يصبان في حصيلة واحدة: سخرية التاريخ.

سعد محيو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق