للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأربعاء، 7 أغسطس 2013

هل ينسف الأكراد حدود سايكس- بيكو وكياناتها؟


(الحلقة الثانية)
- I -
تساءلنا بالأمس: كيف يمكن للتطورات المتلاحقة على الساحة التركية- الكردية، أن تغيّر خريطة  سايكس - بيكو في المشرق العربي؟
لنستمع، أولاً، إلى ما قاله عبد الله أجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، في 20 آذار/مارس الماضي، خلال أعلانه عن وقف الحرب مع تركيا.
قال:" ما نفعل الأن (إلقاء السلاح) ليس نهاية للنضال بل بداية له. اليوم نستفيق الآن على تركيا جديدة، على شرق أوسط جديد، على مستقبل جديد. يجب هنا أن نتذكَّر بأن الأتراك والأكراد لديهم ألف سنة من التعايش تحت ظلال الإسلام المستند إلى الأخوة والتضامن".
أضاف: " الأتراك والأكراد قوى أساسية في الشرق الأوسط، ويجب عليهما معاً الخروج من نير الطغيان وإعادة بناء حداثة ديمقراطية متطابقة مع ثقافتهم وحضارتهم".
المفتاح السحري في كلمات أوجلان، كان الحديث عن شرق أوسط جديد بقيادة الأتراك والأكراد.
لكن، لكي يولد هذا الشرق الجديد، يجب أن يموت أولاً الشرق القديم الذي استند إلى تقسيمات سايكس- بيكو، ويجب أن يكون الشرق الجديد حائزاً على رضى إجماعي من كل الأتراك وكل الأكراد.
فهذا هذا وارد؟
- II -
الإجابة على الشق الأول من السؤال هي: نعم سريعة. فالشرق الذي خلقه وشكله سايكس وبيكو في أوائل القرن العشرين، ينهار الآن لبنة لبنة، وحجراً حجرا. فالعراق بات فدرالياً في الاسم ومقسّماً عملياً إلى ثلاث كيانات كردية وسنية وشيعية.
وسورية تسير بخطى حثيثة الآن في هذا الاتجاه التفتيتي، حيث يجري العمل على قدم وساق لتطوير كيان كردي سوري في المناطق الشمالية الشرقية من سورية، وكيان علوي في الغرب وإمارات إسلامية سنّية في الشمال والجنوب.
ولبنان يقف على شفير انفجار كبير، على إيقاع الانفجار العظيم السوري، قد يحوّله هو الآخر إلى دويلات سنّية وشيعية ومسيحية ودرزية.
وحدها تركيا تبدو حتى الآن ممسكة بكل الخيوط، ومتماسكة في الداخل، ومستعدة للإفادة من الانقلابات الجيو- سياسية الضخمة التي تحدث الآن في المنطقة. ومدخلها إلى ذلك هو الأكراد، ليس فقط في الداخل التركي بل أيضاً في سورية والعراق (وربما لاحقاً إيران)، حيث يجري العمل الآن على إقامة تحالف حقيقي بين الأتراك والأكراد، في إطار مايمكن أن يكون امبراطورية عثمانية جديدة، وحديثة، وديمقراطية.
حتى الآن، تمكّنت تركيا من بناء لبنات هذه الامبراطورية مع أكراد كردستان العراق، وهي تجهد حالياً لتكرار الأمر نفسه مع كردستان سورية. بيد أن التحدي الأكبر بالنسبة إليها سيكون مواصلة حل المشكلة القومية لزهاء 15 مليون كردي تركي، عبر جملة إصلاحات دستورية وقانونية وتعليمية واقتصادية وثقافية شاملة.
نجاح تركيا مع أكراد تركيا، الذين يشكلون الأغلبية الكاسحة من أكراد المنطقة، سيسجل الصعود النهائي لتركيا إلى مرتبة الدولة الكبرى في المنطقة والعالم، وسيمكنها من إعادة صيغة ليّنة وحديثة من الامبراطورية العثمانية.
بيد أن الفشل في ذلك ستكون له أثمان مريعة.
لماذا؟
- III -

لأن دمج أكراد سورية والعراق في المنظومة التركية الجديدة، سيؤدي إلى نسف كياني سايكس- بيكو في هذين البلدين, وإلى إطلاق كل شياطين النزعات الأقلاوية والاثنية والطائفية من عقالها في المنطقة، بما في ذلك تركيا التي تضم أقليات كبرى علوية وكردية.
وإذا لم ينجح أردوغان في إبرام حل نهائي ناجح لأكراد تركيا، فستكون هذه الأخيرة مكشوفة تماماً أمام أنواء التقسيم والتفتيت التي تجتاح المنطقة الآن.
وهذا يعني أن تركيا تخوض بالفعل مغامرة ضخمة قد يتقرر فيها مصيرها لأجيال عدة. أما الأكراد، فربما لن يكون أمامهم سوى قطف ثمار النجاحات، خاصة إذا ماحظوا بدعم دولي ما، ومساندة إقليمية ما.

سعد محيو


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق