للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأحد، 9 يونيو 2013

أوباما "الاستنكافي" يقترب من "الهاوية"

   
- I -
باراك أوباما يبدو هذه الأيام كفارس منفرد يحاصر وحده قلعة محصنة. وهو يقاوم منذ سنتين كل الضغوط الهائلة التي تمارس عليه للتدخل في الأزمة السورية، من الداخل كما من الحلفاء في الخارج.

ففي سابقة برزت قبل أشهر، أسقط الرئيس الأميركي اقتراحاً مشتركاً وقّعه وزيرا الخارجية والدفاع ومدير "السي. أي. آي"(أي عملياً كل جهاز الأمن القومي الأميركي) يدعو إلى دعم المعارضة المسلحة السورية. وبعدها بقليل، كان يدحرج رأس اقتراح آخر من جنرالات البنتاغون لإقامة منظمة عازلة وحظر طيران في جنوب سورية أو شمالها.
وحتى حين خرق الرئيس السوري الأسد "الخط الأحمر" الذي رسمه أوباما بخط يده من خلال استخدام الأسلحة الكيمائية، لم يعمد هذا الأخير سوى إلى المراوغة وطلب "الأدلة الدامغة" على ذلك. ثم أنه توّج كل هذه التراجعات بسكوته على الإهانة التي تعرّض إليها وزير خارجيته كيري، حين جعله الرئيس بوتين ينتظر ثلاث ساعات قبل أن يلتقيه ويوافق معه على مؤتمر دولي للسلام في سورية بشروط روسية شبه كاملة.
وفي الوقت نفسه، كان أوبما يضرب عرض الحائط بكل المناشدات، وحتى"الاستغاثات"، التي انطلقت من حناجر العديد من الأنظمة العربية الحليفة له وتركيا، على الأقل لمجابهة التدخلات الإيرانية الفاقعة في سورية.
- II -
ما هذا الذي يجري؟ ما تفسيره أو تبريره؟
الاجتهادات هنا تكاد لاتُحصى.
فالبعض يقول إن أوباما سئم من حروب جورج بوش في الشرق الأوسط، إلى درجة أصابته بحساسية شخصية من فكرة أي تدخل عسكري جديد، في وقت سحب فيه قواته برمتها من العراق ويتأهب لسحب من تبقى من وحدات في أفغانستان العام 2014. أما تدخله المتأخر في ليبيا، فقد قام به مكرهاً، بعد أن تبيّن أن حلفاءه الفرنسيين والبريطانيين يتعثرون على نحو خطر في عملياتهم العسكرية ضد قوات العقيد معمر القذافي.
والبعض الأخر يُنحي باللائمة على كلٍ من الأزمة الاقتصادية الاميركية (التي دفعت أوباما إلى رفع شعار "بناء الأمة الأميركية" أولاً) واستراتيجية التوجه شرقاً (Pivot ) نحو آسيا- الباسيفيك، لتفسير سياسة النأي بالنفس الأميركية في سورية.
وثمة طرف ثالث يقول أن أوباما مرتاح لموقف اللاموقف هذا، طالما أن إسرائيل لاتزال تدعم بقاء نظام الرئيس الأسد في السلطة. إذ أن هذا الموقف الإسرائيلي يحيّد عنه سهام الكونغرس الأميركي الذي يدين بالولاء الكامل لأي موقف يتخذه اللوبي اليهودي- الإسرائيلي.
وماذا أيضا؟
هناك من يرى أن أوباما لايريد أن يخوض حرباً باردة أو ساخنة مع روسيا في سورية، لأنه يحتاج إليها في معركته ضد الإرهاب، وكذلك لأنه لايريد أن يرمي بوتين في أحضان الصين بالكامل.
كلٌ من هذه المبررات يمتلك شيئاً من المنطق. لكن الحصيلة في خاتمة المطاف واحدة: أوباما يطلق في كل الاتجاهات إشارات خطرة توحي بأن الولايات المتحدة في حالة انحسار حقيقي، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في كل أنحاء العالم، بما في ذلك حتى في آسيا/ الباسيفيك التي يفترض أن الولايات المتحدة تركّز جل مواردها فيها الآن.
فالانكفاء الأميركي في سورية جعل إيران جريئة للغاية إلى درجة زج نخبة وحداتها العسكرية، من مقاتلي حزب الله إلى ضباط وخبراء الحرس الثوري، في معارك علنية ومباشرة إلى جانب النظام السوري، من دون أن تخشى ردة فعل أميركية وأطلسية.
وروسيا اشتمت هي الأخرى رائحة الدم الأميركية، فضربت عرض الحائط بكل المناشدات الأميركية بوقف تسليح النظام السوري، وأعلنت انها ستزوده أيضاً بصواريخ أرض- جو "أس-300 المتطورة، موحية بذلك هي الأخرى بأن باتت متأكدة بأن النمر الأميركي فقد الكثير من مخالبه وأنيابه.
وحتى الصين، التي لم تدعم الموقف الروسي ضد الغرب في مجلس الأمن حيال سورية سوى من باب الابتزاز لواشنطن، رأت في التراجع الأميركي في الشرق الأوسط مناسبة لها للتقدم في العديد من نقاط الصراع الجيو سياسي مع الدول الحليفة أو الصديقة لأميركا في الباسيفيك.
وليس من الضروري بالطبع التذكير بأن الدول العربية وتركيا الحليفة للولايات المتحدة بدأت بالتفكير الآن بما تعنيه هذه السلوكيات الأميركية بالنسبة إلى أمنها القومي الخاص. وليس مستغرباً بعد ذلك أن نسمع عما قريب  أن بعضها ربما يبدأ الاستدارة شرقاً هو الأخر، بحثاً عن الأمن والأمان في كنف دول كبرى أخرى مستعدة لتوفيرهما.
ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني، ببساطة، أن سياسات الفارس الأميركي المنفرد أوباما، بدأت تأكل من هيبة القوى العظمى الوحيدة في العالم. وهذا لن يؤثر فقط في نهاية المطاف على المواقع الاستراتيجية الأميركية في العالم، بل أيضاً على مصالح واشنطن الاقتصادية والتجارية.
لماذا؟
لأنه منذ أن توقفت الولايات المتحدة قبل عقدين أو ثلاثة عن كونها الموتور الاقتصادي والصناعي الأول في العالم في ظل العولمة، بات دورها كشرطي العالم المحافظ على أمنه هو الضمانة الوحيدة لتدفق الاستثمارات الخارجية عليها وللحفاظ على موقع الدولار كعملة الاحتياط الأولى.
وبالتالي، إذا ماواصل هذا الشرطي استنكافه عن القيام بالدور المنوط بها، لن يتأخر الوقت قبل أن  يبدأ الدولار، ومعه موقع أميركا كدولة عظمى، رحلته إلى الهاوية.
- III -
هل تعيين أوباما لسوزان رايس "المُتفجٍّرة" (كما توصف) مديرة لمجلس الأمن القومي الأميركي، مؤشر على أن أوباما بدأ يدرك مخاطر سياسته الاستنكافية هذه؟

(غدا نتابع)
سعد محيو

هناك تعليق واحد: