كل المؤشرات تدل على أن تنظيم الدولة الإسلامية شهد، بعد
الانتصارات العسكرية المذهلة التي حقق، قفزات نوعية على الأرجح في أعداد المنتمين
إليه أو المؤيدين له، ليس فقط في العراق وسورية، بل أيضاً في دول كلبنان والأردن
والسعودية وبعض دول الخليج، وصولاً حتى إلى إفريقيا وجنوب شرق آسيا.
من هذه الأدلة، الأرقام المتضاربة التي أوردتها المؤسسات
الأميركية. ففي حين كان مسؤول عسكري أميركي يُبلغ الكونغرس قبل أسبوعين أن أعداد
التنظيم وصلت إلى 12 ألف مقاتل، كانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية تقول
للبيت الأبيض بعدها بأيام أن الأرقام باتت تتراوح بين 20 و33 ألف مقاتل. وهذا
التضارب ليس ناجماً عن خلل استخباري، بل ربما لأن التنظيم ينمو بخطى متسارعة.
من الأدلة أيضاً أن معان وبعض الجنوب الأردني شهدت
تحركات شعبية مؤيدة لداعش، ومعها طرابلس وبعض مناطق عكار حيث رُفعت أعلام التنظيم
السوداء. هذا في حين تحدثت أنباء عن تخوّف السلطات السعودية من اضطرابات يقوم بها
آلاف المواطنين السعوديين الذين قاتلوا في سورية والعراق ثم عادوا إلى بلادهم.
طفرة متوقعة
دوافع هذه الطفرة في شعبية هذا التنظيم الأصولي حديث
العهد كانت في الحقيقة متوقعة، بعد أن تمكّن داعش من اكتساح ربع مساحة العراق
الشاسعة في غضون خمسة أيام ومارافق ذلك من انهيار الجيش العراقي الضخم أمام حفنة
مقاتلين (100 ألف جندي وضابط عراقي تحللوا أمام مئات من مقاتلي داعش في الموصل).
وه ذا كانت له حتماً مضاعفات كبرى على
المناخات النفسية الفكرية والثقافية لأعداد كبيرة من الشبان العرب والمسلمين في كل
أنحاء العالم.
الأمر هنا كان شبيهاً بما حدث بعد معركة الكرامة في
الأردن العام 1969، حين تمكّنت عناصر المقاومة الفلسطينية من الصمود في وجه جحافل
القوات الإسرائيلية المتقدمة. حينذاك، اجتاحت المنطقة موجة حماسية كاسحة، دفعت
العديد من الشبان العرب إما إلى المشاركة في عمليات المقاومة الفلسطينية، أو إلى
الانضمام إلى صفوف حركة فتح في إطار "استراتيجية حرب الشعب" التي تم
الترويج لها في حينه.
وهذا ماحدث أيضاً في أعقاب حرب أفغانستان، حين اعتبر المجاهدون
انهم انتصروا على ثاني أكبر دولة عظمى في العالم، ما أطلق العديد من التنظيمات
الشبيهة للقاعدة في كل أنحاء العالم.
ثم أن الأمر يشبه النماذج التي قدمتها في الستينيات
والسبعينيات حركات حرب الغوار (العصابات) في فيتنام وبقية الهند الصينية وفي كوبا
ونيكاراغوا وبقية أميركا اللاتينية، والتي تحوّل فيها الجنرال جياب وأرنستو تشي
غيفارا وغيرهما إلى مثل أعلى يُحتذى للكثير من الشبان اليساريين في العالم، بما في
ذلك بعض المناطق العربية.
وبالمثل، يبدو أن انتصارات داعش أثارت موجات مماثلة من
الطفرات الجهادية التي إما أن ضمَّت إلى داعش المزيد من المقاتلين والأنصار، أو شجِّعت
الشبان العرب على تشكيل منظمات جهادية، أو (في أضعف الأحوال) توفير بيئة حاضنة
للظاهرة الداعشية.
البدايات
بدايات هذا
التطور انطلقت منذ أن أعلنت، على سبيل المثال، كتائب "جنود الحق"
التابعة لجبهة النصرة في منطقة البوكمال على الحدود السورية- العراقية مبايعتهم
لداعش، على رغم أن تنظيمهم الأم خاض معارك دموية مع داعش في شرق سورية وشمالها أدت
حتى الآن إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى من الجانبين. وبالطبع، مثل هذا التطور لم
يكن ليحدث، لولا انبهار عناصر النصرة في البوكمال بالفعالية القتالية والتخطيط
الاستراتيجي الدقيق لداعش في معارك المحافظات السنّية في العراق.
وفي الوقت نفسه كانت تتواتر أنباء عن أن العديد من
المجموعات الإسلامية في طرابلس وعكار(شمال لبنان) وفي معان ( جنوب الأردن) بدأت
تفكر بالانضمام إلى داعش أو تقليد أساليبها؛ هذا في حين كشفت السلطات المغربية
النقاب الأربعاء الماضي عن طفرة في أعداد الشباب الذين يسعون إلى الانضمام إلى
معارك العراق وسورية، في أعقاب الأنباء عن انتصارات داعش. والحبل قد يكون على الجرار
في مصر وليبيا والسعودية وبقية الدول العربية والإسلامية.
علاوة على ذلك، يبدو أن هذا التنظيم كان يشهد تضخماً في
أعداده مع كل مدينة يدخلها في شمال وغرب العراق. فقد ذُكِر أن أعداداً كبيرة (ولكن
غير محددة) من المقاتلين السوريين والسعوديين واللبنانيين والشيشان والأوروبيين،
بدأوا يتدفقون على العراق عبر المعابر السورية. وفي داخل العراق نفسه، كان داعش
يستقبل في صفوفه في يوم واحد 400 عنصر أُطلق سراحهم من سجن الموصل. وقبل ذلك انضم
إليه نحو 500 (في تموز/يوليو الماضي)
حررهم من سجن أوغريب. وخلال الهجوم الأخير على الموصل، أفرج داعش عن نحو 2500 سجين
من معتقل بادوش، يُعتقد ان العديد منهم من الناشطين الجهاديين الذين سينضمون حتماً
إلى التنظيم.
داعش الآن سيكون في وضع يمكّنه اجتذاب وتجنيد شبان عرب
وأجانب آخرين عديدين يحتاجون إلى عمل أو
إلى هوية دينية واضحة، بعد أن وضع يده على ثروة طائلة في الموصل تقدّر بنحو 500
مليون دولار. وهذه ستضاف إلى الضرائب والخوات وبيع النفط السوري الخام
والتبرعات(من أفراد خليجيين أساساً) وعمليات التهريب التي يقوم بها التنظيم في
سورية والعراق، والتي تدر عليه مابين 25 إلى 30 مليون دولار شهريا.
العقبات
ظاهرة داعش، إذا، مرشحة للتضخم والتصاعد والامتداد في كل
أنحاء المنطقة، خاصة إذا لم تنجح الغارات الجوية الأميركية الحالية واللاحقة في
ضعضعة فعاليته الميدانية، خاصة في سورية التي نقل إليها مؤخراً إقساماً كبيرة من
المعدات العسكرية والذخائر الموجودة في الموصل (والتي كانت تمثّل ثاني أكبر مستودع
من الأسلحة الأميركية للجيش العراقي)، والتي يعارض فيها نظام الأسد، مدعوماً من روسيا
وإيران، الغارات على أراضيه إذا ماحدثت من دون التنسيق معه.
لكن تقف في وجه هذا التنظيم عقبات لايستهان بها. فسكان
المناطق التي اجتاحها، خاصة منهم العشائر، لن يستسيغوا نمط الحياة المتشدد الذي قد
يفرضه التنظيم عليهم. ثم أن الصدامات واردة في كل حين بين داعش وبين كلٍ من قوات
البعث والعشائر العراقيين في إطار الصراع على الثروة والسلطة، في حال تراجع خطر
الشيعة العراقيين والإيرانيين عليهم.
إضافة، وعلى رغم أن بعض القوى الإقليمية تحبذ نتائج
التقدم الداعشي طالما أنه يؤدي إلى ضعضعة نفوذ إيران وحلفائها الشيعة في العراق،
إلا أن هذه القوى نفسها تعتبر هذا التنظيم خطراً وجودياً عليها، وهي أعلنت عن
استعدادها للاشتراك مع قوى إقليمية ودولية أخرى في العمل على تدمير هذا التنظيم
ودولة خلافته التي يفترض أن تضم إلى سورية والعراق، الأردن ولبنان، ثم تتمدد في
وقت لاحق ليكون مقرها في مكة المكرمة والحجاز.
لكن، وإلى أن يحدث ذلك، سيواصل داعش التحوّل إلى نقطة
جذب واستقطاب للشبان "المجاهدين"، وسنسمع قريباً على الأرجح عن امتدادت
جديدة لداعش في كل المنطقة والعالم، بفعل المواجهة بينه وبين الولايات المتحدة،
خاصة إذا ما فشلت الحرب الأميركية في شل فعالياته العسكرية بطريقة ملموسة.
هذه نقطة.
وثمة نقطة ثانية لاتقل أهمية تتعلق بالسؤال: هل تريد
واشنطن حقاً القضاء نهائياً على هذا التنظيم أم تحجيمه؟
السؤال مهم ليس
فقط بسبب ما أشرنا إليه بالأمس في هذا الموقع (راجع "اليوم، غدا"-
12-9-2014) من شكوك إيرانية وروسية بأن اميركا تقف وراء صعود هذا التنظيم ( صعوده وليس
نشأته المُتهم فيها النظامين السوري والإيراني)، بل لأن العديد من المسؤولين
الأميركيين يصرحون علناً بأنه لايتعين على واشنطن شن حرب شاملة على داعش
"لأنه لايستهدف كما القاعدة الأرض الأميركية بل الأراضي الإسلامية"،
وأنه لم يقطع رأس الصحافيين الأميركيين إلا على إثر الغارات الجوية الاميركية
عليه.
* * *
على أي حال، ومع غارات أميركية أو من دونها، ظاهرة داعش
مرشحة للبقاء فترة غير محددة من الزمن. وسيتملّس تأثيراتها الخطيرة دول بعنيها
اكثر من غيرها. وهذا ما سنتطرق إليه في المقالات التالية بدءاً بلبنان.
سعد محيو
________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق