للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 4 فبراير 2014

إيران: الامبراطور بلا ملابس




- I -
"الامبراطورية الفارسية الجديدة"  تعبير انتشر كالنار في الهشيم خلال السنوات القليلة الماضي، ليشير إلى النفوذ الإيراني المتعاظم في المنطقة العربية. وهو تعبير أثار، ويثير، الكثير من المخاوف ولكن القليل من التدقيق.


مثلا: لم يسأل أحد ما إذا كانت هذه الامبراطورية، في حال وجودها، قادرة على البقاء والاستمرار. كما لم يخطر ببال أي من منظري هذه الامبراطورية، ومعها نظرية "الهلال الشيعي"، عما إذا ما كانت جمهورية الخميني الإسلامية قادرة فعلاً على تمويل العظمة الفارسية في صيغها الحديثة، كما فعل قورش قبل آلفي سنة.
ما مناسبة هذا الحديث الآن؟
إنها التقارير التي بدأت تتدفق من إيران حول وجود غضبة شعبية وإعلامية عارمة، بسبب عدم قدرة النظام على تلبية الحاجات الغذائية لمعظم قطاعات الشعب الإيراني.
في عهد الرئيس أحمدي نجاد، كان يتم دفع نحو 18 دولاراً شهرياً لكل فرد لمساعدة العائلات  على توفير جزء من حاجاتها الغذائية التي ضربها الغلاء والتضخم. بيد أن حكومة الرئيس روحاني قررت على مايبدو استبدال هذه "المكرمة النقدية" بمكرمة عينية شهرية لكل أسرة إيرانية: 24 بيضة، دجاجتان، عشرة كيلو سكر، زجاجتا زيت للقلي، ونصف كيلو جبنة.
هذا على الصعيد المعيشي، أما في المجال الاقتصادي- الاجتماعي، فقد بلغت نسبة البطالة بين الشباب أكثر من 25 في المئة، وقفز معدل التضخم الرسمي إلى 39 في المئة (والرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير)، وهبطت قيمة الريال الإيراني بأكثر من 70 في المئة.
الشعب الإيراني، بغالبية ملايينه الـ75، يعاني من الفاقة والعوز، ويحتاج بشدة إلى عملية إعادة بناء اقتصادي شاملة لانتشاله من بؤرة العالم الثالث أو الرابع. وعلى رغم ذلك، تقوم الحكومة الإيرانية بانفاق  مليارات الدولارات سنوياً على أحزاب ومنظمات مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والأحزاب السياسية الموالية لها في العراق والسودان، ناهيك بالطبع عن الـ20 مليار دولار التي تدفعها سنوياً لتمويل نظام الأسد، وعن مشاريع التسلح الباهظة التي تثقل بعنف كاهل الخزينة الإيرانية.
كيف يمكن، والحالة هذه، أن يكون في مستطاع دولة كإيران تمويل "امبراطورية"؟ حتى الاتحاد السوفييتي، وعلى رغم أنه دولة عظمى، عجز عن تمويل امبراطوريته وتهاوى برمته في نهاية المطاف بسبب هذه الطموحات الخارجية التي لم تسندها مقومات اقتصادية داخلية. فكيف الأمر بدولة عالمثالثية كإبران؟
- II -
أجل. الأرجح أن مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي لم يقبل بالتفاوض مع "الشيطان الأكبر" الأميركي، إلا بعد أن أدرك أن المشروع الامبراطوري الإيراني هو في الواقع مشروع انتحاري، وإلا بعد أن وصلته تقارير تؤكد أن الاقتصاد يترنح على شفير السقوط.
أجل أيضا: خامنئي يبدو مستعداً لتقديم مايمكن تقديمه من تنازلات إلى أميركا في الملف النووي، كي ينقذ الاقتصاد من ورطته. لكن المرشد سيكون واهماً إن هو اعتقد أن أميركا ستقبل إراحة نظامه اقتصادياً (عبر دمجه في الاقتصاد الرأسمالي العالمي) من دون أن يتخلى أولاً عن طموحاته في السياسة الخارجية.
كتب الباحث الأميركي، الإيراني الأصل، راي تقية، الذي يعتبر وثيق الصلة بأصحاب القرار الأميركي الخاص بالملف الإيراني،: أميركا "في حاجة إلى صفقة نووية مع إيران، لكن ليس إلى وفاق (إقليمي) معها. وهو حذّر من أن إيران، كما الاتحاد السوفييتي قبلها، قد تحاول فهم اتفاقات الحد من التسلّح على أنها تأشيرة دخول إلى عملية توسيع النفوذ الإقليمي، خاصة في سورية إضافة إلى العراق".
كلام واضح؟
بالطبع؟
لكن يبدو أن النخبة الحاكمة الإيرانية يجب أن تسمع هذا الكلام أيضاً من الشعب الإيراني الذي يتضور جوعاً، فيما حكومته تملأ خزائن حلفائها في المنطقة بمليارات الدولارات (العديد منها يضيع هدراً بالفساد).
أصوات من هذا النوع ارتفعت بالفعل خلال الانتفاضة الديمقراطية الخضراء العام 2009، حين طالب المتظاهرون بوقف تقديم مئات ملايين الدولارات إلى حزب الله اللبناني والاحزاب العراقية. وثمة أصوات مماثلة ترتفع الآن في طهران تدين، من جهة، فساد الإعانات الغذائية التي تقدّم للأسر الإيرانية (الدجاج الفاسد والسكر الرديء والزيت "المضروب")، وإهانة كرامة الإيرانيين عبر تحويلهم إلى متسولين، من جهة ثانية.
والارجح أن أي صفقة مع أميركا ستحوّل مثل هذه الأصوات إلى تيارات شعبية كاسحة تطالب بالتغيير وبالخبز والحرية معا، وبوقف الطموحات الخارجية المكلفة والمستنزفة لقدرات إيران المحدودة.
- III -
النظام الإيراني الأن أشبه بامبراطور يرتدي نصفه الموجّه نحو الخارج أبهى الحلى والرداءات الامبراطورية، فيما نصفه الآخر الذي يراه الشعب الإيراني يبدو عارياً تماما.
وهذا تناقض مضحك لايمكن أن يستمر طويلا. فالمرء يستطيع أن يخدع نفسه وبعض الآخرين بعض الوقت، لكنه لايستطيع أن يخدع نفسه وكل الآخرين كل الوقت.

سعد محيو






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق