للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الجمعة، 24 يناير 2014

هل يصبح روحاني دنغ الصيني أم غورباتشوف الروسي؟



- I -
ربما ليس من المبالغة البتة في شيء القول أن خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام منتدى دافوس الاقتصادي، سيصنّف لاحقاً على أنه أبرز تطور في تاريخ إيران الحديث، منذ حدث الثورة الإسلامية الإيرانية العام 1979.

روحاني وخامنئي
فهذا الخطاب، كما سنرى بعد قليل، سيكون (في حال رأى النور) خريطة طريق إيران نحو الاندماج في النظام الرأسمالي العالمي، تماماً كما حدث للصين حين انتقلت في أواخر السبعينيات من شيوعية ماوتسي تونغ إلى رأسمالية الدولة، كما حدد ملامحها دنغ هسياو بنغ.
آنذاك، حط الرئيس الأميركي نيكسون في بيجينغ العام 1972 حاملاً معه مشروعاً غيّر فيه معالم كل اللوحة الدولية: استعداد أميركا لدمج الصين في النظام الرأسمالي العالمي، في مقابل قيام الصين بفك ارتباطها بالاتحاد السوفييتي وتخليها عن مبدأ الثورة الماركسية العالمية في السياسة الخارجية.
وباقي القصة معروف.
دنغ وماو
روحاني في دافوس كان هسياو بينغ في بيجينيغ الذي قام في الفترة بين 1987 إلى 1992 بتنفيذ شروط الاندماج الأميركية الخاصة بالتخلي عن السياسة الخارجية، والتركيز على البناء الاقتصادي الداخلي في إطار امبراطورية العولمة.
دنغ، كما هو معروف، ورث من ماو صيناً ابتلت بالكوارث الاقتصادية- الاجتماعية والمؤسسية الناجمة عن الثورة الثقافية الماوية، فعمد إلى تطوير نظريتي "الاشتراكية بملامح صينية" و"اقتصاد السوق الاشتراكي". لكن في التطبيق العملي، كان دنغ في الواقع ينقل البلاد إلى المعسكر الاقتصادي الرأسمالي، من خلال فتحها أمام الاستثمارات الأجنبية والسوق العالمية والتنافس الرأسمالي الداخلي.
روحاني ورث هو الآخر من جمهورية الخميني بلداً استنزف موارده المحدودة مشروع الثورة الإسلامية العالمية الذي دفع إيران إلى خوض "سباق تسلّح" كارثي مع الغرب ودول الجوار، أسفر في نهاية المطاف عن تراقص إيران على حافة الانهيار والإفلاس.
- II -

في دافوس، كان روحاني يعلن بوضوح أمام 2500 سياسي واقتصادي من قادة النظام الرأسمالي العالمي أن بلاده تنوي السير على درب صين- دينغ. وهذا كان جلياً في النصوص الآتية:
- نحن مستعدون لفتح إيران أمام الاستثمارات الخارجية، خصوصاً في صناعات السيارات والنفط والغاز والبتروكيماويات والطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية والتعدين.
- وهو أبلغ رؤساء تنفيذيين في شركات نفط وغاز، بينها «إيني» و «بي بي» و«توتال» و«رويال داتش شل»، أن إيران ستضع بحلول أيلول (سبتمبر) المقبل «نموذجاً استثمارياً» جديداً وجذاباً لعقود النفط، سعياً إلى تشجيع الشركات الأميركية والغربية الكبرى على العودة إليها.
- وأعلن روحاني استعداد بلاده لـ «تعاون بنّاء من اجل تعزيز أمن الطاقة في العالم، واستغلال مواردها الضخمة من النفط والغاز»، مضيفاً: «نحن مستعدون للبدء بعملية جدية لتشكيل منظمة جديرة بالثقة، من اجل هذه الشراكة على المدى البعيد".
- وتعهد أن تنتهج إيران «سياسات اعتدال وتعقّل وأمل في الاقتصاد العالمي»، معتبراً أن «الاقتصاد الإيراني قادر على أن يكون بين أفضل 10 اقتصادات في العالم في العقود الثلاثة المقبلة. ونحن عازمون على إعادة فتح العلاقات التجارية والصناعية والاقتصادية، مع كل دول الجوار.
- وأعرب أخيراً عن أمله بتطبيع العلاقات الاقتصادية التاريخية العميقة مع أوروبا، لافتاً إلى أن العلاقات الإيرانية- الأميركية «دخلت مرحلة جديدة». وكرّر أن من أولويات حكومته «التعامل البنّاء مع العالم".
- III -

صحيح أن العديد من هذه المواقف الانفتاحية جاءت على لسان روحاني في السابق. إلا أن هذا شيء والقيام بتقديم تعهدات محددة أمام منتدى دافوس الذي يُعتبر العقل المدبِّر للرأسمالية العالمية وجيبها، شيء آخر مختلف تماما. فمن يدخل إلى حمام دافوس (أي شروط النظام الرأسمالي العالمي) ليس كمن يخرج منه. ومن يتكلم في دافوس، سيكون عليه أن يترجم كلماته سريعاً إلى أفعال، وإلا فإن قباطنة الرأسمالية الدافوسيين سيلفظونهم من ناديهم.
لكن، هل روحاني قادر فعلاً أن يكون دنغ الصين الذي سينقل إيران من معاقل الثورة الإسلامية العالمية الخيمنية، إلى مواقع الدولة "العادية" الإيرانية المندمجة بالعولمة والقابلة لشروطها؟
حتى الآن، لايبدو أن الأمر كذلك. فالرجل، وعلى الرغم من تمتعه بحماية مرشد الثورة خامنئي، لايزال يتعرّض إلى حملات عنيفة من مصادر فيلق القدس والعديد من فيالق الحرس الثوري، الذي أثروا من محصلات العقوبات الدولية على إيران، عبر وضع يدهم على المفاصل الرئيسة للقطاع العام.
هذا علاوة على أن إيران لم تظهر حتى اللحظة أي دلالة ذي معنى إلى أنها بدأت تنفذ الشرط الرئيس لعملية إعادة إدماجها في النظام العالمي: التخلي عن طموحات التوسّع في سياستها الخارجية. فهي لاتزال متورطة حتى أذنيها في المستنقع السوري. وهي تواصل التدخل في لبنان والبحرين واليمن، وبالطبع في العراق، إلى جانب القوى الشيعية التي صدقّت شعار المجابهة مع "الشيطان الأكبر" الأميركي.
وبالتالي، وحتى لو كان روحاني يمتلك الضوء الأخضر الخامنئي لدمج إيران في منظومة العولمة، إلا أن هذا لن يتحقق طالما لم تُثبت إيران أنها تنوي بالفعل الاكتفاء بتطوير نظامها في الداخل ونبذ الطموحات الخارجية، كما فعلت الصين قبلها.
أجل. روحاني طرح في دافوس مايمكن أن يكون تحولاَ مفصلياً في تاريخ الثورة الإيرانية. لكن هذا لايزال حتى الآن في إطار مملكة النظريات.
يبقى أن ننتظر محصلات "الاشتباك الداخلي" (الآتي لاريب) بين أركان السلطة الإيرانية حول "أي إيران" يريدون، لنعرف مصير مشروع روحاني، لا بل مصير الشخص نفسه: هل سيكون دنغ الصين المنتصر، أم غورباتشوف المنهزم؟

سعد محيو












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق