ماذا ينتظرنا في العام الجديد 2014؟
الكثير، الكثير.
ولنبدأ بالعالم.
السنة الجديدة ستشكّل اختباراً حقيقياً لإدارة أوباما
حول قدرتها، أو لاقدرتها، على الحفاظ على موقع الزعامة العالمية. وهو تحدٍ كبير في
الواقع. فالتحالف الروسي- الصيني أثبت في العام المنصرم 2013 أنه قادر على تحويل
الأقوال إلى أفعال.
فروسيا حققت خلال الاشهر الأخيرة تقدماً واضحاً على حساب
الغربين الأوروبي والأميركي في أوكرانيا المهمة استراتيجياً، حين عرضت مبالغ طائلة
على هذه الأخيرة لانقاذ اقتصادها، في مقابل وقف مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد
الأوروبي. كما أنها حققت مزيداً من التقدم في مجال إعادة بسط نفوذها في دول
البلطيك، وآسيا الوسطى، ناهيك بالشرق الأوسط عبر دعمها الكثيف لنظام بشار الأسد،
وغزلها مع النظام العسكري الجديد في مصر، ومع السعودية ودول الخليج الأخرى.
والصين، بدورها، كانت تأكل هي الأخرى من الرصيد الأميركي
في شرق آسيا، عبر فرض نطاقات بحرية وجوية جديدة لها في بحر الصين الشرقي وبحر
الصين الجنوبي، في إطار ما أسماه مفكر هندي "استراتيجية الملفوف"
الصينية، حيث تقوم بجينغ بتسوير نفسها بالتدريج بطبقات (كالملفوف) من الإجراءات
الأمنية، من دون أن تدفع الولايات المتحدة إلى الاستنفار الحاد ضدها. هذا إضافة
إلى تمديد النفوذ الصيني في كل الطرق والمناطق التي توفّر لها إمدادات الطاقة.
حتى نهاية 2013، كانت إدارة أوباما "مسترخية"
للفكرة التي سادت منذ نهاية الحرب الباردة بأنه لاتوجد قوة أو مجموعة قوى على وجه
البسيطة، مهما علا كعبها، قادرة على الحلول مكان "الباكس أميركانا" في
العالم. وهذا ينطبق على روسيا والصين وأي دول أخرى في مجموعة البريكس الصاعدة.
بيد أن الأصوات بدأت تتعالى في الولايات المتحدة مُحذرة
من أن هذه المقاربة ستسفر في نهاية المطاف عن قضم الزعامة الأميركية في العالم، ومُطالبة
إدارة أوباما بالعودة إلى المقاربة الجيو- استراتيجية، والتي تفرض بالضرورة تقليم
أظافر روسيا والصين في كل مكان. فهل سيكون أوباما قادراً في العام الجديد على
تجاهل هذه الأصوات، كما فعل العام المنصرم؟
لايبدو أن الأمر سيكون كذلك.
ماذا أيضاً على الصعيد العالمي؟
هناك تطوران يجب الانتباه الشديد لهما:
الأول، هو احتمال اندلاع انتفاضات للطبقات الوسطى في
القارة الاوروبية، بعد أن قطعت قوى السوق الرأسمالية شوطاً بعيداً في توجيه
الضربات القاسية لدولة الرفاه الاوروبية، من خلال تقليص التقديمات الاجتماعية التي
حصل عليها المواطنون عبر 200 سنة من النضالات. كما لايستبعد البتة أن تلجأ هذه
القوى إلى دعم القوى الفاشية والقومية المتطرفة (كما فعلت في فترة مابين الحربين
العالميتين الأولى والثانية) بهدف التصدي لهذه الانتفاضات المحتملة.
والتطور الثاني هو دخول الرأسمالية بقوة في مرحلة
تاريخية جديدة سمتها الرئيس سيطرة الرأسمالية الرقمية على ثورة المعلومات والداتا،
الأمر الذي بات يهدد (كما كشفت فضائح وكالة الأمن القومي الاميركي) بنشوء
ديكتاتوري أورويلية جديدة في العالم تقوض بشطحة قلم كل الفلسفة الديمقراطية.
ماذا الآن عن الشرق الأوسط؟
بالطبع، الحدث الأبرز في 2014، سيكون مصير المفاوضات
الإيرانية- الأميركية، السري منها والعلني، والتي ستحدد مصير كلٍ من إدارة أوباما
والشرق الأوسط برمته.
ثمة هنا ثلاثة سيناريوهات: 1- تكلل المفاوضات بالنجاح
خلال الأشهر الخمسة المقبلة في التوصل إلى صفقة كبرى. 2- تعثر الصفقة الكبرى،
وتمديد الصفقات الصغرى إلى مابعد نهاية ولاية أوباما.3- الفشل التام وانهيار
المفاوضات.
كلٌ من هذه السيناريوهات يحمل في طياته أبعاداً تاريخية
كبرى. فالتسوية الكبرى ستؤدي إلى ولادة شرق أوسط جديد، وربما أيضاً تجديد للحلف
الأميركي- الإيراني الذي كان في عهد الشاه. والصفقات الصغرى ستهديء المجابهات
الأميركية- الإيرانية، لكنها قد تشعل صدامات إقليمية واسعة بسبب تخوّف الدول
الإقليمية الرئيس (إسرائيل، تركيا، السعودية ومصر) من محصلاتها. هذا في حين ان
الفشل التام سيفتح الأبواب على مصراعيها أمام الحرب.
كان من الصعب في أواخر 2013 التكهن بمن ستكون له اليد
العليا في هذه السيناريوهات. لكن من الواضح أن المفاوضات ستكون شاقة ومحفوفة
بالكثير من المخاطر، ليس فقط لأن إسرائيل والكونغرس الأميركي والسعودية يعارضون أي
تسوية نووية لاتتضمن تقليم الأظافر الإقليمية لإيران، بل لأن الشكوك بين الطرفين
المتفاوضين هائلة وتكاد تصل إلى مرحلة البارانويا المرضية.
وفي انتظار جلاء الغبار في معركة المفاوضات حول مستقبل
السياسة الإيرانية، ستواصل سورية غرقها المرعب في لجج الحرب الأهلية المدمرة، وسيستمر
الرقص المصري على حافة الانفجار المجتمعي، إن لم يكن الحرب الأهلية، وستتابع ليبيا
انحدارها إلى التفتت القبلي والعشائري، وقد يكون العراق على موعد هو الآخر في 2014
مع احتمال نشوب ثورة مسلحة في مناطقه الغربية تدخل بلاد الرافدين رسمياً في أتون
الحرب الأهلية في بلاد الشام.
أما دول الخليج، فسيكون عليها في السنة الجديدة إعادة
النظر في طبيعة تحالفاتها الدولية، بعد أن شعرت بأن الضمانات الأمنية الأميركية قد
تصبح قريباً عرضة إلى الخطر بفعل سياسة الانكفاء الأوبامية ودعم واشنطن لجماعات
الإخوان المسلمين في المنطقة العربية.
السعودية خطت في أواخر 2013 خطوة اولى في هذا الاتجاه،
حين أبرمت صفقة أسلحة بقيمة 3 مليارات دولار لصالح الجيش اللبناني مع فرنسا.
والأرجح أن يشهد العام المقبل صفقات أخرى من هذا النوع مع بعض الدول الأوروبية
وروسيا والصين، إذا ماشعرت الرياض بأن أوباما مستمر في "غيّه" الإيراني.
* * *
كل عام وأنتم "سالمين".
سعد محيو