للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

هل هي الحرب بين الأمير بندر والجنرال سليماني؟



أهم مؤشران على طبيعة وأهداف الهجوم الانتحاري المزدوج على السفارة الإيرانية في بيروت، هما توقيته ودقته.
فمن حيث التوقيت، جاء الهجوم عشية استئناف المفاوضات النووية الإيرانية- الغربية التي تثير كبير القلق في كلٍ من الرياض وتل أبيب وأنقرة والقاهرة والعديد من دول الشرق الأوسط الأخرى. إذ أن هذه العواصم تعتبر المفاوضات مقدمة لاعتراف واشنطن وبروكسل بالدور الإقليمي الكبير لـ"امبراطورية قورش الفارسية الجديدة" في الشرق الأوسط، على حد تعبير دبلوماسي خليجي في بيروت.
بندر وبوش
سليماني

هذه الدول، وخاصة تل إسرائيل وإلى حد ما المملكة السعودية، لاتخفي رغبتها في دفع هذه المفاوضات إلى التعثر أو حتى إلى الفشل. فالأولى تحرّك الكونغرس الأميركي الموالي لها بشدة لفرض عقوبات جديدة على إيران، تحت شعار لارفع لهذه العقوبات قبل الوقف الكامل والشامل لكل البرنامج النووي الإيراني. فيما الثانية تنشط الآن على أرض الشرق الأوسط لتحويله كله إلى "سورية جديدة" لطهران، أي إلى فيتنام تستنزف ماتبقى من الموارد الإيرانية التي لم تبتلعها بعد الحرب السورية (نحو 20 مليار دولار سنوياً).
التفجير المزدوج في بيروت يأتي في هذا السياق. وهو بمثابة رسالة استراتيجية لا تكتيكية متعددة الرؤوس إلى واشنطن وكل من يهمهم الأمر، بمدى "المقاومة والممانعة" التي ستبرز في وجه أي اتفاق إيراني- غربي ثنائي يتم من دون موافقة القوى الإقليمية المعنية. وهذا يعني أن تفجير السفارة الإيرانية هو بداية لعملية او عمليات متسقة، لا نهاية لها.
معركة القلمون
علاوة على ذلك، جائ التوقيت متطابقاً مع حدث ميداني كبير يجري هذه الأيام على الأرض المشتركة اللبنانية- السورية. إذ يبدو أن المعركة الكبرى في منطقة القلمون الاستراتيجية، التي تعتبر فائقة الأهمية للتواصل الجغرافي بين خطوط إمداد النظام السوري في كلٍ من منطقة دمشق ومعاقله العلوية في حمص وجبال العلويين والبقاع الشيعي اللبناني، قد بدأت.
رأس الحربة البرية في هذه المعركة هي آلاف من مقاتلي حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية وفصائل إدارة وقيادة من فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. ومن شأن انتصار النظام السوري في هذه المعركة أن يسدد ضربة عنيفة للمعارضة المسلحة السورية وانتصاراً كبيراً آخر للنفوذ الإيراني. وهذا أمر لن تقبل به مملكة الوهابيين بأي حال وسترد عليه بكل الوسائل المتاحة.
هذا عن التوقيت. أما الدقة التي نفِّذت فيه العملية فهي، بما تضمنته من عملية مراقبة متواصلة للسفارة الإيرانية ومعرفة موعد مغادرة السفير غضنفر ركن أبادي للمبنى بهدف اغتياله، يشي بأن التحضيرات للتفجير استلزمت وقتاً طويلاً وأجهزة متطورة وعناصر عدة. وهذا ماليس بمقدور تنظيم "كتائب عبد الله عزام" الذي أعلن مسؤوليته عن العملية القيام به. هذا ناهيك أصلاً عن أن هذا التنظيم ضبابي للغاية. فهو إيراني النِشأة أسسه  صالح عبد الله القرعاوي الذي كان يتخذ من إيران مركزاً له، ويديره معارضون سعوديون. وتتقاطع كل المعلومات على القول أن هذا التنظيم المرتبط بالقاعدة مخترق، كما الحال مع معظم الحركات الإرهابية، من مختلف أنواع أجهزة المخابرات، بما في ذلك الموساد.
ماذا بعد؟
حسنا. ماذا بعد هذا "الهجوم الاستراتيجي"، سواء على الصعيد الإقليمي أو بالنسبة إلى لبنان؟
صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" لم تجد ما تقوله حيال هذا الهجوم سوى القول بأنه "يظهر كم أن الصراع في سورية قد انقلب بشكل حاد إلى حرب سنّية- شيعية بين القوتين الإقليميتين السعودية وإيران".
لا بل هي نسبت إلى كوادر موالية لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت اتهامهم المباشر للرياض بالوقوف وراء العمليتين الانتحاريتين، وتهديدهم باستهداف السفارة السعودية في العاصمة اللبنانية.
هذه المعطيات المتقاطعة، أي المفاوضات النووية ومعركة القلمون والحرب السورية، مضافاً إليها المجابهة السعودية- الإيرانية فوق أرض العراق والتي تتخذ هي الاخرى طابعاً سنياً- شيعياً فاقعا، تعني أن منطقة الهلال الخصيب برمتها باتت ساحة مجابهة بين الرياض وطهران، أو بين الأمير بندر بين سلطان مدير المخابرات السعودية المخضرم، وبين قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (على حد تعبير مقاتل من حزب الله عاد لتوه من معارك سورية).
لبنان كان حتى الآن بمنأى نسبياً عن هذه المجابهة، حيث كانت الاطراف السياسية المتصارعة فيه المناوئة والمعارضة للنظام السوري (8 و14 آذار/مارس) تكتفي بالحروب بالواسطة داخل الأرض السورية.
لكن الهجوم على السفارة الإيرانية في بيروت قد يقلب هذه المعادلة رأساً على عقب، خاصة إذا ما كان لهذا  الهجوم مابعده. وهو أمر مؤكد تقريباً بسبب العوامل الدولية والإقليمية والسورية التي ألمعنا إليها.
المفاوضات النووية ستكون هو المحفز لهذه المجابهة. لكن معركة القلمون ستكون هي الوقود الذي قد يشعل إوار التفجير في لبنان، بسبب مايقال عن تدفق أعداد كبيرة من المسلحين السوريين إلى لبنان الذين سيكون هدفهم الأول، جنباً إلى جنب مع الأصوليين السنّة اللبنانيين، الانتقام من حزب الله عبر نقل المعارك إلى مناطقه. وهذا ماجعل بعض المراقبين اللبنانيين يذهبون إلى حد تشبيه العملية الانتحارية ضد السفارة الإيرانية بحادث بوسطة عين الرمانة العام 1975 الذي أشعل فتيل الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت زهاء 15 عاما.
الأمور لما تصل بعد إلى هذه المرحلة. لكنها قد تصل إليه إذا ما فشل مؤتمر جنيف-2 لحل الأزمة السورية في الانعقاد أو في التوصل إلى نتائج ملموسة في حال انعقاده، وبالطبع إذا ماعجزت المفاوضات النووية عن تهدئة نفوس المعارضين الإقليميين لها، وأيضاً إذا ماتبيّن أن القوى الإقليمية سترمي بكل ثقلها في معركة القلمون.
ففي هذه الحالة، ستخرج الأمور عن نطاق السيطرة في لبنان، وستنضم بيروت إلى دمشق وبغداد بصفتها كلها ضواحٍ ثلاث لعاصمة حرب إقليمة واحدة.
ويخشى الآن أن تكون العملية الانتحارية المزدوجة ضد السفارة الإيرانية، هو أول غيث مثل هذا التطور المأساوي الذي سيدفع لبنان ثمنه غاليا.
وقديماً قيل: حين يتصارع الفيلة، يكون العشب أول من يدفع الثمن.
(*) نشر هذا المقال أولاً في صحيفة المدن الالكترونية

سعد محيو




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق