للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

مصر: جنون الإخوان.. الصحّي

 ( شعار حسن البنا:"نقوسنا يجب لأن تتغير". والآن جاء وقت تغير الجماعة .. أو انقراضها  

- I -
الكثيرون سيصِفون السلوك الراهن لجماعة الإخوان المسلمين التصعيدي على نحو خطير، بأنه "جنون مطبق".
وهم على حق، ولكن؟
فلنبدأ أولاً بلماذا هم على "حق" ثم بـالـ"لكن".
أول ماسيتبادر إلى الذهن هنا حول الجنون، هو احتمال اعتقاد القيادة الراهنة للأخوان بأنها قادرة على شن ثورة طويلة الأمد لإعادة الرئيس مرسي إلى الرئاسة، أو على الأقل فرض موازين قوى على الأرض تجعلها متوازنة مع قوة الجيش والقوى المدنية الداعمة له.
الاعتقاد الأول وهم، لأن حركة 30 حزيران/يونيو أثبتت أن السلطوية العسكرية- المخابراتية الجديدة التي ترعرعت في حضن الفشل الذريع (السياسي كما الفكري والاقتصادي) للأخوان في الحكم، تتمتع بزخم شعبي شبيه بذلك الذي حظيت به السلطوية الناصرية السابقة في الخميسنيات والستينيات. وهذا سيمكّنها من تحويل أي ثورة شعبية أخوانية إلى حرب أهلية بينها وبين قطاعات واسعة من الشعب المصري.
علاوة على ذلك، من المفترض أن تكون قيادة الإخوان قد فهمت الآن أن الظروف الدولية التي سهّلت وصولها إلى السلطة، وهي الصفقة السرية التي تمت بينها وبين واشنطن العام 2005، قد سقطت بالضربة القاضية. إذ حين وُضِعت الولايات المتحدة في خيار حقيقي بين حليف مدني  لها وصل إلى السلطة ديمقراطياً وبين حليف عسكري كان لستة عقود ركيزة كل "الباكس أميركانا" في الشرق الأوسط، لم تتردد في الانحياز إلى الثاني. وحينها لم يرف للوزير كيري جفن وهو يعلن أن الانقلاب العسكري المصري هو "في صلب العملية الديمقراطية".
أما الاعتقاد الثاني بأنه في وسع الإخوان تعديل موازين القوى، فهو كان يمكن أن يكون صحيحاً لو أن الحركة الاحتجاجية الإخوانية كانت سلمية حقا. لكن تصاعد وتائر العنف الإرهابي من أقاصي سيناء إلى قلب القاهرة مروراً بالاسكندرية والإسماعيلية، سيسقط هذا الاحتمال وسيجعل الجيش المصري قادراً على تحويل معركته ضد الأخوان إلى حرب ضد الإرهاب. (كما فعل الرئيس بشار الٍأسد في سورية حين أطلق العنان بنفسه للجماعات التكفيرية وسهّل صعود نجمها بكل الوسائل، وكما فعلت أيضاً أجهزة المخابرات الجزائرية خلال الحرب الأهلية).
- II -
الآن، وطالما أن استراتيجية الأخوان تبدو خاسرة ، فلماذا إذاً الحديث عن هذه الـ"لكن" التي أشرنا إليها في البداية؟
لأن ربّ ضارة نافعة، كما يقال.
فخروج الأخوان إلى الشوارع على هذا النحو العلني، هي ظاهرة لم تحدث على هذا النحو الجماهيري العريض منذ تأسيس الجماعة في 22 آذار/مارس 1928. قبل ذلك، وطيلة 85 عاماً، كانت هذه حركة سرّية إلى حد كبير، ومغلقة على نفسها إلى حد أكبر، وباطنية إلى درجة لاتصّدق.
وهذا ماجعلها أشبه بمجتمع منفصل كلياً عن المجتمع المدني الأوسع الذي اعتبرته كافراً وجاهلياً حيناً (كما مع سيد قطب)  أو على الأقل "الآخر" الذي يمكن التصرف معه بلاأخلاقية أو بلا صدق، حيناً آخر.
وعلى الصعيد السياسي، كانت الجماعة قد وصلت إلى قناعة عقب صدامها العنيف مع كل من النظام الملكي في الأربعينيات ثم النظام الناصري في الخمسينيات، أن أفضل وسيلة لتجنُّب قمع الدولة لها هي رفع شعار "المشاركة لا المغالبة". وهو شعار تطابق كلياً مع نزعتها إلى الباطنية والعمل السري والانغلاق على الذات، لأنه عنى عملياً أن تشارك الجماعة في كل أنواع العمل السياسي والاجتماعي من دون ان تكون عملياً جزءاً منه.
بيد أن الصفقة مع الأميركيين، وماتبعها من وصول الجماعة إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية، نسف كل هذه التقاليد الباطنية، لكنه  لم يغيّر في الوقت نفسه من طبيعتها الخاصة بالانغلاق على الذات، فجاءت ممارستها للسلطة على هذا النحو الاستحواذي الشره الذي سدد ضربة مشلّة لتجربة التعددية الديمقراطية.
قيادة الجماعة لاتزال تتصرف الآن على هذا النحو غير الباطني عبر التظاهرات العلنية. وعلى رغم أن هكذا مسار يدفع بالبلاد إلى شبه حرب أهلية، إلا أنه قد يكون مفيداً تاريخياً لأنه قد يُخرج الجماعة من قوقعتها الانفصالية عن المجتمع، ويجعلها أكثر استعداداً لأن تكون عضواً "طبيعياً" فيه، بدل أن تفرض نفسها عليه فرضاً من فوق.
- III -
بالطبع، مثل هكذا تحوّل يحتاج إلى "ثورة ثفافية" داخل الجماعة، تُصحح من خلالها قيادة جديدة متحررة من باطنية  وانغلاقية الماضي العلاقة المختلة راهناً بين ما هو إديولوجي ديني وبين ما هو وطني مصري، وبين مفهومي الأمة الإسلامية والشعب المصري، وبين الشورى السلفية الضيقة التي تؤمن بها قواعد الاخوان وبين الديمقراطية التعددية التي تدّعي قيادات الجماعة الالتزام بها.
لكن، هل هذه الثورة الثقافية ورادة حقا؟
 ليس في ظل القيادة "القطبية" الحالية. لكن، وعلى رغم ذلك، يجب التوقف ملياً، وبتعمُّق، أمام ظاهرة خروج الإخوان من قوقعتهم الانعزالية، لأن هذا تطور تاريخي سيكون له حتماً ما بعده.
لماذا؟
لأنه بات متصلاً بوجود وبقاء الجماعة نفسها: فإما أن تسير الجماعة هذه على هذا الدرب فتغيّر جلدها وسلوكها، أو تتشظى كلياً إما إلى مجموعات تمارس العنف أو إلى أفراد مستقيلين من الحياة والمجتمع والعالم.

سعد محيو




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق