للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

هل وقع أوباما في فخ جديد، روسي هذه المرة؟



في كتابه الأخير بعنوان "الهاوي"  (The Amateur) ينقل الكاتب الأميركي البارز إدوارد كلين عن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون قوله:" باراك أوباما غير كفؤ وغير قادر على القيام بواجبات البيت الأبيض. أنه هاوٍ ولايعرف كيف يكون رئيساً، كما لايعرف كيف يعمل العالم".
كلمات قاسية؟
ربما كان الأمر كذلك قبل أشهر قليلة. لكن مواقف أوباما من تطورات الأزمة السورية الراهنة، جاءت لتؤكد كلمات كلينتون حرفاً بحرف. فهذا الرئيس أثبت أنه يستيقظ متردداً وينام متقلّبا. يتخذ قراراً "حاسماً" في الصباح، ويغيّره بـ"حسم" في المساء. وهذا جعله وجعل إدارته تتخبط خبط عشواء في كل خطوة قامت بها حيال الأزمة السورية. كما جعل الدولة العظمى الوحيدة في العالم تبدو أشبه بكرة تتقاذفها دول كبرى ومتوسطة وصغرى على حد سواء.
فصول المسرحية 
نقطة البداية في هذه المسرحية الأوبامية، التي تجرأت صحيفة "فايننشال تايمز" المتطرفة في رزانتها وتحفظها على وصفها بأنها باتت "كوميدية"، كانت في لحس الرئيس الأميركي تهديده السنة الماضية بمعاقبة النظام السوري "في حال تجاوزه الخط الأحمر الكيميائي"، رغم اعترافه مؤخراً (على لسان وزير الخارجية كيري ) أن  النظام استخدم الأسلحة الكيميائية 11 مرة ضد شعبه، وأن مجرزة الغوطة لم تكن سوى الحلقة الأخيرة في ذلك.
ثم توالت بعد ذلك فصول المسرحية: من قرار الرئيس أوباما توجيه ضربة عسكرية سريعة للنظام السوري وقيامه بحشد الأساطيل الأميركية في شرق المتوسط استعداداً لذلك، إلى قراره في ربع الساعة الأخير من الموعد المحدد للضربة التراجع وإحالة الأمر إلى الكونغرس. هذا على رغم أن أوباما كان يعلم سلفاً أنه سيواجه معارضة شديدة من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وأنه قد يتعرض إلى هزيمة سياسية نكراء قد تجعله أول رئيس أميركي في التاريخ يتحول إلى "بطة عرجاء" قبل ثلاث سنوات كاملة من انتهاء عهده.
.. والفصل الأخير
وجاء الفصل الأخير الآن، حين وافق أوباما على وضع كل بيضه في سلة روسيا وسورية، بعد أن وضعها في سلة الكونغرس، من خلال موافقته على اقتراح موسكو بوضع الأسلحة الكيميائية السورية في عهدة الأسرة الدولية.
بيد أن أصغر طالب في أصغر فصل مدرسي يعرف أن مسألة تخلي النظام السوري عن أسلحته الكيميائية في مقابل وقف الضربة العسكرية الأميركية، ليس وارداً في الواقع، أو هو على الأقل يتطلب فترة زمنية مديدة. فهذه الأسلحة موزعة على 60 موقعاً في كل أنحاء سورية. ولكي يتمكن المراقبون الدوليون من وضع يدهم عليها، سيتطلب ذلك وقفاً شاملاً لاطلاق النار في البلاد. وهذا أمر يتطلب بدوره تسوية سياسية، أو في الحد الأدنى بدايات لهذه التسوية، على الصعيدين الدولي والمحلي السوري.
علاوة على ذلك، وزير الخارجية السوري وليد المعلم كان مبهماً في تعليقه على الاقتراح الروسي. فهو قال أن النظام "يرحب بهذا الاقتراح"، لكنه لم يقل أنه يوافق عليه. والفرق كبير بالطبع بين الترحيب والموافقة.
كل هذا يعني أن أوباما سمح لنفسه أن يقع في فخ روسي- سوري جديد، يبدو أن هدفه الوحيد هو إجهاض التعبئة الاميركية الراهنة للحرب، وليس تحقيق "اختراق " في الأزمة السورية كما أعلن أوباما.
والحال أن هذا الهدف بدأ يتحقق بالفعل. فمجلس الشيوخ أرجأ فوراً خطوة التصويت على القرار الإجرائي المتعلق بمناقشة طلب الإدارة تخويلها توجيه ضربة عسكرية إلى سورية. وبالتأكيد، لن يتأخر مجلس النواب، الذي تعارض غالبيته أصلاً هذه الضربة، القيام بإجراء مماثل. وكل هذا سيؤدي إلى إفقاد الولايات المتحدة ورقة الضغط العسكري الثمينة، التي كانت هي أصلاً وراء مسارعة موسكو المدهشة إلى تلقف دعوة كيري لنزع السلاح الكيميائي "خلال أسبوع".
إلى أين؟
حسنا. إلى أين الآن من هنا على الصعيدين الأميركي- الدولي والسوري؟
على الصعيد الأميركي- الدولي، سيتركز كل اللغط من الآن فصاعداً (والذي ينتظر له أن يكون صاخباً) حول مصير الزعامة الأميركية للعالم.
هنا، كانت مجلة الأيكونومسيت دقيقة للغاية حين سجّلت في افتتاحيتها لهذا الأسبوع النقاط التالية:
- فيما كان الشرق الأوسط يتحدث عن تقلّص الزعامة الأميركية للعالم، كان أحد أبرز مساعدي أوباما يقول أن الضربة العسكرية المفترضة "ستكون قوية فقط إلى الدرجة التي لن تعرضنا إلى السخرية(... )".
- التطورات الراهنة في سورية ستحدد وتعيد تعريف موقع الولايات المتحدة(ومعها الغرب) في العالم. فمع التحديات التي تفرضها روسيا وإيران، ومعهما الوزن المتزايد للصين كقوة اقتصادية وحكم سلطوي، ستكون هذه التطورات مؤشراً على مدى "إيمان الغرب" بنفسه.
- العالم بأسره يراقب مايجري الآن في أميركا حيال سورية. والأصدقاء كما الخصوم سيشكلون سلوكهم وفق محصلات اللحظة الراهنة. ولذا كان من الحيوي لأميركا أن تعمل الآن. بيد أن سلوكيات أوباما، سواء إزاء الكونغرس والرأي العام الأميركي والعالمي، لا تصب في هذه الخانة.
بالطبع، من المبكر الآن رصد السلوكيات الجديدة لروسيا والصين (وربما لأوروبا أيضاً) بعد التخبطات الأميركية الراهنة حيال سورية، خاصة وأن الرئيس الذي سيخلف اوباما لن يكون بالضرورة متردداً أو ضعيفاً مثله. لكن مايمكن قوله وبثقة أن هذه الدول الكبرى اشتمت رائحة الدم في هذه التخبطات، وستكون من الآن فصاعداً أكثر استعداداً لتحدي الزعامة الأميركية للعالم.
وماينطبق على الدول الكبرى، يسحب نفسه أيضاً على القوى الإقليمية التي ستبدأ هي الأخرى إعادة النظر في حساباتها وفي تحالفاتها الدولية، وستكون أكثر استعداداً للقيام بمغامرات في محيطها الأقليمي المباشر بهدف جس نبض التموضعات الجديدة في النظام الدولي.
هذا على الصعيد الدولي. أما في الداخل السوري، فستكون الصورة أكثر تعقيدا.
إذ في حال نجح النظام في تجنّب الضربة الأميركية، سيبذل بعدها قصارى جهده لإجهاض التحرك الدولي لنزع سلاحه الكيميائي، حتى ولو صدر قرار في هذا الشأن من مجلس الأمن الدولي. وهو هنا سيستعين، كما يقول خبير عربي بالشؤون الشرق أوسطية، بالخبرة الإيرانية المديدة في مجال التسويف والمماطلة النوويين.
هذا لايعني أن احتمال موافقة النظام السوري المبدئية على نزع سلاحه الكيميائي، لن يكون لها مضاعفات داخلية، حتى ولو أدرجت في خانة المناورة الملموسة والمحسوسة. إذ أن هذه الخطوة في حد ذاتها تعتبر تنازلاً استراتيجياً كبيراً من قِبَل النظام وتمس مباشرة مفهوم السيادة والاستقلال، الأمر الذي قد يخلق شقوقاً في جدار نظام كان متماسكاً حتى الآن.
هذا علاوة على أن أوباما "المتقلٍّب"، لايستبعد أن ينقلب مجددا على موقفه الأخيرة حيال الاقتراح الكيميائي الروسي، خاصة إذا ما أدرك (ولو متأخراً) أنه وقع في فخ جديد. هذا بالطبع إلا إذا ما كانت الدبلوماسية السرية الألمانية، التي تنشط الآن للوساطة بين روسيا وإيران وبين الولايات المتحدة، قد قطعت شوطاً من النجاح على الطريق نحو تسوية تتضمن إما تنازل بشار الأسد عن السلطة قبل انتهاء ولايته العام 2014، أو تبرئته من تهمة استخدام الأسلحة الكيميائية وتحميل شقيقه ماهر هذه المسؤولية.
على أي حال، يبدو واضحاً أن الأزمة السورية لم تدخل مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن تلك التي كانت قبل مجزرة الغوطة الكيميائية وحسب، بل هي أدخلت العالم كله أيضاً في مرحلة جديدة . مرحلة قد يعاد النظر فيها في طبيعة الزعامة الأميركية، وحتى في معنى النظام الدولي نفسه.

سعد محيو
(*) نشر هذا المقال أمس في موقع سويس أنفو





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق