- I -
جمال عبد الناصر جديد يولد الآن مباشرة أمام أعيننا في
مصر: الفريق أول عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي.
القسمات بين الرجلين تكاد تكون واحدة: الشخصية
الكاريزمية اللبقة والمبتسمة دائماً ولزبة اللسان والقادرة على تحريك مشاعر الناس
بسهولة (السيسي أبكى هاني شاكر ومحمد فؤاد والعديد من الناس في خطب عدة، تماما كما
كان عبد الناصر يبكيهم ويضحكهم).
كما يبدو أيضاً
أن مفهوم السيسي لـ"الجماهير"، هو نفسه مفهوم ناصر: مادة خام يمكن "طبخها
وعجنها" غب الطلب، من خلال إقامة علاقات مباشرة بينها وبين
"القائد" تستند إلى المصارحة، واللغة العامية المباشرة، والإيحاء بالصدق
والقوة والوعود الكبيرة. وهو جسّد ذلك قبل يومين حين دعا "الجماهير" إلى
النزول بالملايين إلى الشارع لدعم أجراءات قاسية ينوي اتخاذها ضد "العنف
والإرهاب".
وفوق هذا وذاك، يتشابه الرجلان بالقدرات التكتيكية
الهائلة. فقد تمكّن عبد الناصر، بعد نجاحه في تنفيذ انقلاب 23 يوليو/تموز ،1952من البقاء سنتين تحت الأضواء ووراء
الكواليس بصفته الرجل الثاني في الثورة بعد اللواء محمد نجيب، كان يعمل في أثنائها
على التدرب على السلطة وتنظيم أركان عهده الجديد. وبالمثل، نجح السيسي في نيل ثقة
من لايثقون بأحد (الأخوان المسلمين) ليس فقط بعد تعيينه قائداً عاماص للجيش المصري
بل حتى قبل ذلك، حين كان المفاوض عن القوات المسلحة مع محمد مرسي الذي سيصبح
رئيساً فيما بعد.
وتقول نيويورك تايمز أن السيسي كان بارعاً في تكتيكاته السياسية،
إلى درجة أن الرئيس مرسي ظل مقتنعاً حتى اللحظة الاخيرة، وعلى رغم إنذار الجيش له
بتسوية الازمة خلال يومين، أن السيسي لن ينقلب عليه.
- II -
إلى هذا المتشابهات بين ناصر والسيسي، هناك بالطبع
الخلفية العسكرية والسياسية.
فالرجلان لاينتميان إلى مؤسسة واحدة لها تاريخ عريق في
مصر وحسب، بل هما يمتلكان أيضاً إيماناً بأنها هي وحدها القادرة على إدارة شؤون
البلاد. عبد الناصر كان يطلق على القوات المسلحة وصف "الطليعة الثورية"
المنوط بها دفع مصر نحو دورب التقدم والحداثة وموقع الزعامة الإقليمية والعالمية،
والسيسي عبَّر أكثر من مرة عن قناعته بأن الجيش قادر على تحويل مصر من "أم
الدنيا" إلى "أم وزعيمة عالمية".
والمفارقة هنا أن كلاً من السيسي وناصر بدءا حياتهما
السياسية بإقامة علاقات ودية مع الاميركيين. فالثاني كان على اتصال (عبر أحد
الضباط الأحرار) مع السفارة الأميركية في القاهرة قبل إنقلاب 23 يوليو وبعده، ولم
تنقطع العلاقات بينهما إلا بعد حرب السويس العام 1956، حين اتهمت واشنطن ناصر بعدم
الوفاء لعهد قطعه بإقامة سلام مع إسرائيل مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من
سيناء. والسيسي أقام علاقات مع الأميركيين خلال الدورتين التدريبيتين اللتين قام
بها في المؤسسات العسكرية الأميركية، ثم بالطبع خلال تسلّمه قيادة الجيش المصري
ووزارة الدفاع.
هل تشمل التشابهات في الشخصية، تشابهاً أيضاً في
المباديء؟
بعض المصادر المقربة من السيسي تقول أنه من الأنصار
المتحمسين لعبد الناصر. بيد أن هذا لابعني بالطبع التحمّس أيضاً لمباديء هذا
الأخير، التي استنتدت إلى مفاهيم عدم الانحياز في السياسة الدولية، والاشتراكية
وقيادة القطاع العام للانتاج، ورفض الديمقراطية الغربية. فالظروف الداخلية
والخارجية انقلبت رأساً على عقب في كل المجالات. ولو أن عبد الناصر نفسه كان حياً
الآن، لانتهج أساليب مختلفة في مجال التنمية الاقتصادية والسياسية.
المجال الذي يمكن أن يكون فيه السيسي ناصر ثانياً قد
يكون في السياسة الخارجية، في اتجاه استعادة مصر لدور الزعامة الإقليمية بعد
استقرار وضعها الاقتصادي والسياسي.
- III -
هل تعني كل هذه المعطيات أننا نتوقع أن يكون السيسي هو
زعيم مصر الجديد؟
أجل، لكن هذه المرة لن يأتي الرئيس السيسي من فوهة
البندقية كما فعل عبد الناصر، بل من خلال أقلام الاقتراع. وحتى لو التزم السيسي
عدم الترشح للرئاسة، كما أعلن قبل أيام، فهو سيبقى رجل مصر الأقوى من وراء الستار،
كما كان ناصر رجلها الأقوى قبل إطاحة نجيب.
ثمة نجم كاريزمي جديد يبرز في مصر الأن.
كل الأنظار إليه.
سعد محيو
هذا المقال نشر أولاً في موقع "المدن" الالكتروني في 30-7-2013