I--
"يقوم أحدهم بسرقة سترة بذلتك، فتصرخ مطالباً
باستعادتها، لكن اللص يسرق حينها قبعتك، فتواصل القتال من أجل استعادة السترة لكنك
لاتحصل سوى على القبعة. وحينها ستنسى سترتك ولماذا كنت تقاتل في المقام
الأول".
هكذا أطلَّ حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كايهان
الإيرانية المحافظة، على الصفقة النووية الإيرانية- الغربية: الغرب يسرق حقوق
إيران النووية، ثم يتفاوض على بعض هذه السرقات. وهذا ما جعل إيران، برأـيه، تفقد
زمام المبادرة في المفاوضات.
بالطبع، هذا الموقف، الذي ربما يعبّر عن رأي المعسكر
المحافظ الإيراني، وفي مقدمه قطاعات واسعة من الحرس الثوري الإيراني التي كانت
تثرى من العقوبات الدولية على إيران، يتناقض حرفاً بحرف مع أناشيد النصر التي تغنى
بها الرئيس روحاني ورحب بها المرشد خامنئي، اللذان اعتبرا أن إيران حققت نصراً
باهراً في هذه الصفقة لأن الغرب اعترف فيها بالدولة الإيرانية كقوة نووية، ولأنها
(الصفقة) "كسرت ظهر العقوبات عليها".
II--
الحقيقة تبدو في منزلة بين منزلين في هذين الموقفين.
فإيران قدّمت بالفعل في هذا الاتفاق المؤقت الذي سيدوم ستة أشهر(هذا إذا لم يتحوّل
المؤقت إلى دائم)، تنازلات جمة ليس فقط على صعيد وقف تخصيب اليورانيوم بأكثر من 5
في المئة، و"تحييد" مخزونها من اليورانيوم المخصب بمعدل 20 في المئة،
والحد من أجهزة الطرد المركزي، ووقف العمل في مفاعل أراك للمياه الثقيلة، بل أولاً
وأساساً في قبول أجراءات التفتيش الدولي بشكل يومي في كل منشآتها النووية. وهذا في
مقابل رفع "مؤقت وجزئي وقابل للإلغاء" للعقوبات الدولية.
وهذا مايعزز وجهة نظر المحافظين الإيرانيين بأن الغرب
يبيع إيران مايسرق منها.
لكن في المقابل، خامنئي وروحاني على حق أيضا. فالصفقة
تترك بالفعل كل البنى التحتية النووية الإيرانية كما هي وبلاخدوش، الأمر الذي لن
يعيق اندفاعة إيران لحيازة السلاح النووي بأكثر من شهر أو أقل إذا ما قررت ذلك، في
الوقت الذي تبدأ فيه هي بتقويض كل نظام العقوبات الدقيق الذي انفقت الولايات
المتحدة سنوات طوال في إشادته لبنة لبنة.
وفوق هذا وذاك، وحتى لو توصلت إيران والدول الخمس زائد
واحد إلى اتفاق نهائي في نهاية الأشهر الستة يقفل نهائياً ملفها النووي، فإن كماً
هائلاً من المصادر الغربية والشرقية تؤكد أنها امتلكت بالفعل المعرفة النووية (Know- how ) وباتت قادرة في أي وقت على
صناعة القنبلة خلال أسابيع.
III--
الآن، طالما الصورة على هذا النحو، وطالما أن الصفقة،
الآنية المؤقتة واللاحقة "الدائمة"، مهددة في أي وقت بالأنهيار إما بفعل
مقاومة الداخل الإيراني (الحرس الثوري) والاميركي(الكونغرس)، أو ممانعة الخارج
الإسرائيلي والسعودي والتركي والمصري، فلماذا كل هذا الحماسة الغربية والإيرانية
لوصف هذه الصفقة بأنها "إنجاز تاريخي"، وليس "خطأ تاريخي" حسب
وصف بنيامين نتنياهو؟
ببساطة لأنها تحمل في طياتها فرص إبرام "تفاهم
تاريخي" بين واشنطن وطهران، لايكون فيه الاتفاق النووي سوى جزء من كلٍ أكثر
تعقيدا.
بكلمات أوضح: الصفقة النووية، في حال سار كل شيء على
مايرام ولم تنسفها الألغام الكثيرة المزروعة على طريقها، ستعطي أميركا فرصة إعادة
دمج إيران في النظام الدولي كدولة طبيعة لامارقة وفق شروطها، وستعطي إيران ليس فقط
طوق النجاة من الانهيار الاقتصادي- الاجتماعي وحسب بل أيضاً دوراً إقليمياً
معترفاً به دوليا.
إذا ماتوصل الطرفان إلى مثل هذه "الصفقة
الكبرى"، سيكون الشرق الأوسط على موعد بالفعل مع نظام إقليمي جديد وتحالفات
دولية- إقليمية قد لاتخطر الآن على بال.
لكن، دون هذه المحصلة التاريخية عقبات تاريخية كبرى،
تبدأ بقبول إيران بأن تغيّر نظامها نفسه بنفسها، وأن ترحب بها إسرائيل وباقي دول
المنطقة كطرف رئيس في نظام إقليمي عتيد.
وهذا مايبدو الآن تفكيراً رغائبياً في بعض طهران وبعض
واشنطن، وأحلاماً كابوسية في تل أبيب والرياض والقاهرة.
سعد محيو
( *) هذا المقال نشر أولاً في صحيفة المدن الالكترونية
___________________________________