للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

السبت، 12 أبريل 2014

العرب والعولمة (2): سيناريوهان خطيران



-I-
قلنا بالأمس (راجع "اليوم، غدا- 10-4-2014) أن حصان الإقتصاد يجب أن يقود عربة السياسة والأمن في المنطقة العربية إلى حيث حلبة العولمة. وهو إنقلاب مهم حتماً. لا بل يمكن أن يثبت بعد حين أنه تاريخي أيضاً،  إذا ما تواصل زحف قوى العولمة الإقتصادية على المنطقة.
. لكن، لماذا هذا الأنقلاب؟ وما تجلياته؟
الأسباب تبدو عديدة، وكذا التجليات
" الإندماج في الإقتصاد العالمي هو تحد لكل من يجرؤ على " شراء "  العولمة وقبول مخاطرها التي تشمل خسائر الإستثمارات؛ توسَع الفجوة في المداخيل؛ تناقص القدرة على المنافسة؛ تلوث البيئة، وسيطرة النزعة الإستهلاكية. لكن في المقابل، العزلة وإستمرار الامر الواقع غير مقبولين، إذ ان المصير الأسوأ للدول من العولمة هو ألا تمَسها بالعولمة " .
هكذا يرى البروفسور أنوش إحتشامي، رئيس قسم الحكومة والشوؤن الدولية في جامعة دورهام البريطانية، إلى مستقبل العولمة في المنطقة العربية ومستقبل المنطقة في العولمة: مصير مشترك، وتفاعل حتمي لامفر منه، طالما أن تدويل الأنتاج( الذي هو أس العولمة الناجم عن ثورة المعلومات والإتصالات)  هو أيضاً امر حتمي لامفر منه. وهذا سيحدث على رغم كل التطورات السياسية والامنية التي جرت وتجري في مصر والعراق وسورية وتونس ولبنان وفلسطين والسودان.. ألخ.
لكن أي إندماج؟ اي عولمة؟
-II-

ثمة سيناريوهان هنا:
الأول، هو مايجري الأن على أرض الواقع: إستفراد قوى العولمة ومؤسساتها وهياكلها بكل دولة عربية على حدة، وربطها مباشرة إما بإسرائيل، أو بأوروبا، او بالولايات المتحدة.
الاردن يشَكل حالياً النموذج الأبرز للربط الاول( مع إسرائيل). وهذا يتم عبر إتفاقات التجارة الحرة والمشاريع المشتركة، التي تحظى بتسهيلات كبرى من الولايات المتحدة مثل تسهيل الدخول إلى أسواقها وتقليص الرسوم على الصادرات.
المغرب العربي وبعض دول المشرق نموذج عن الإرتباط الثاني ( مع اوروبا) من خلال مشروع الشراكة الأوروبية – المتوسطية، فيما منطقة الخليج هي النموذج الثالث الذي تلعب فيه الإتفاقات الثنائية مع أميركا الدور الاول.
في كل هذه الحالات، تبدو المخاطر أكبر بكثير من الفرص بالنسبة إلى الدول العربية. فهذه الأخيرة تجد نفسها مجبرة على تكييف إقتصاداتها بشكل منفرد مع متطلبات الشركات الأجنبية لا مع حاجات شعوبها المحلية؛ وتواجه صناعاتها الناشئة تحديات الموت السريع؛ وتسود لدى شرائح مجتمعها نزعة الإستهلاك الشديد، المترافق مع فجوات كبيرة في المداخيل بين الكثرة الفقيرة والقلة فاحشة الثراء المستفيدة من العولمة.
ثم هناك بالطبع التهديدات للهوية العربية والحضارية الاسلامية- المسيحية. فما هو مطلوب في هذه المرحلة من إدماج المنطقة في الإقتصاد العالمي، لايقل عن كونه دعوة إلى تدمير الهوية العربية، وإستبدالها إما بالهوية الشرق اوسطية او بالهويات الفرعية القاتلة المذهبية والطائفية والعشائرية.
السيناريو الثاني، هو تحقيق الإندماج الإقتصادي العربي قبل دمج المنطقة بالعولمة، أسوة بما جرى في أوروبا وأميركا الشمالية وجنوب شرق آسيا. هذا السيناريو لم ير النور بعد، لكن ممارسة الضغوط الشعبية على الحكومات العربية لفتح اسواقها، وتسهيل التبادلات السكانية بين شعوبها، وربط هذه الشعوب بمصالح إقتصادية متبادلة، قد يحقق هذا الأمر. بيد أن هذا الجهد لن يكون كافياً. القرار السياسي الخاص بإقامة السوق العربية المشتركة وباقي مؤسسات الإندماج الإقتصادي العربي، لا يزال هو العامل الأهم في تقرير مصير علاقة المنطقة بالعولمة.
وهذا بالتحديد ما دعا إليه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي خلال مؤتمر القمة العربي الأخير، حين ألمح إلى أن الطريقة الوحيدة لمواجهة العولمة هي الشروع في تحقيق نوع من الاتحاد العربي.

قد يقال هنا أن الغرب لن يسمح للعرب وهم في ذروة تدهورهم بما لم يسمح به لهم وهم في ذروة قوتهم: التوَحد. لكن هذا ليس صحيحاً بالضرورة. فالتوَحد الان، وهو إقتصادي- تجاري بالدرجة الاولى، يخدم تماماً مصالح الغرب، فيما كان مشروع التوَحد العربي في الخمسينات والستينات سياسي- إستراتيجي يشَكل بالفعل تهديداً للمصالح الغربية.
- III-
الان، وطالما الامر على هذا النحو، لماذا لا تسارع الدول العربية إلى تحسين عملية إدماجها بشكل جماعي في الإقتصاد العالمي، بدل تعريض نفسها لمخاطر جمة بشكل إفرادي؟
سؤال ربما يبدو في غير وقته الان، بسبب الضعف الشديد الذي ينتاب معظم البلدان العربية. لكنه سيفرض نفسه بعد حين، حين تشعر كل دولة عربية بأنها غير قادرة  على السباحة بمفردها في بحر يعج بأسماك القرش  المفترسة والحيتان العملاقة. والحاجة، كما يقال، هي أم الأختراع، حتى في الشأن الوطني والقومي.
لكن، ثمة فريق عربي ثالث يرى الحل عبر سيناريو مغاير تماماً لكل ما تقدم: الانفكاك كلياً عن العولمة وعن النظام الرأسمالي العالمي برمته. وهذا ماسنستعرضه غدا.
( غدا، الحلقة الثالثة).


                                                                                سعد محيو




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق