للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

الأربعاء، 5 مارس 2014

"اليوم، غدا" في القاهرة(2): السيسي قوي، ولكن؟



- I -
القاهرة- سعد محيو
 لم يحدث قبل الأن في كل تاريخ مصر منذ 7 آلاف سنة أن ترددت شخصية ما في الجلوس على عرش الفراعنة. لا بل قد يكون هذا أيضاً مخالفاً للطبيعة البشرية الساعية دائماً وأبدا إلى السلطة والقوة و"المجد" الذي ينبع من فوهة الحكم.

لكن عبد الفتاح السيسي كسر هذا القالب- القانون. فهو بقي متردداً حتى اللحظة الأخيرة في الترشح للرئاسة، مع ميل قوي في البداية إلى عدم خوض انتخابات الرئاسة. هذا لايعني أن السيسي لا يريد السلطة، لكنه يريدها من دون مسؤوليات الرئاسة، عبر ممارستها من وراء الكواليس انطلاقاً من موقعه المحصن كوزير للدفاع.
أسباب هذا التردد واضحة. فالأزمة الاقتصادية- الاجتماعية المصرية، والتي كان في جذر كل الانتفاضات والاضطرابات التي تواصلت في مصر طيلة ثلاث سنوات، باتت متجذرة وعميقة إلى درجة خطرة. وهي تترافق في الوقت نفسه مع تحوّل الشارع المصري إلى شارع حي وقوة سياسية ضخمة، مايوجب أن يزاوج الحكم، أي حكم، بين النمو الاقتصادي وبين تحقيق المطالب الاجتماعية للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تشكّل غالبية الشعب المصري. وهذا أمر في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً، في إطار السياسات الاقتصادية الليبرالية الرأسمالية.
السيسي كان متنازعاً في هذه النقطة بالذات. فهو كان يتعرض إلى ضغوط قوية من تحت (الطبقات الشعبية والوسطى) للترشح بهدف إحداث نقلة نوعية في النظام المصري اقتصادياً وسياسياً، وإلى  ضغوط قوية أيضاً من فوق (رجال الاعمال وبيروقراطية الدولة) لإعادة انتاج نظام مبارك وإن بحلَّة شعبية جديدة.
 وبالطبع، سيكون السيسي في الرئاسة في حالة تنازع مماثلة بين شروط صندوق النقد الدولي التي تدعو إلى فرض التقشف على 70 مليون فقير مصري (...) تحت شعار إصلاح الاقتصاد المصري لجذب الاستثمار الخارجي، وبين آمال هؤلاء الفقراء بتحقيق مطالب ثورتي يناير ويونية: الخبز والحرية.
المؤسسة العسكرية المصرية التي تعي جيداً هذه المعطيات، كانت تفضل أن تحكم البلاد (كما كانت تفعل منذ العام 1952) من راء الستار، كما في الجزائر وقبلها في تركيا. وهذا لايعود فقط إلى خوفها من الفشل، بل أولاً وأساساً من احتمال أن تؤدي سلطتها المباشرة إلى المطالبة بوضع اقتصادها، الذي يُقال أنه يشكِّل ثلث حجم الاقتصاد المصري، قيد التساؤلات والمساءلات.
- II -
على أي حال، بدا واضحاً أمس (الثلاثاء) من خطاب السيسي في حفل تخريج عسكري أنه حسم أمره وقرر الترشح. وهو ينتظر الآن إنجاز قانون الانتخابات ليستقيل من منصبه في وزارة الدفاع تمهيداً لإعلان ترشحه رسميا.
بالطبع، سيحتل المشير كرسي الحكم، كما تؤكد كل الاستطلاعات، وهو يتمتع بمزايا عديدة.
إذ هو يأتي وهو يمتطي جواد الوطنية المصرية التي انفجرت كالبركان خلال السنة المنصرمة بفعل عوامل معقدة للغاية، والتي تمحورت أساساً حول الدفاع عن الدولة بغض النظر عن مضمونها او شكلها، سواء أكانت استبدادية أو حديثة.
السبب الرئيس هنا كان فشل تجربة الإخوان المسلمين في الحكم. فهولاء بدل أن يعملوا على تحديث وتطوير وتجديد الدولة القديمة المصرية عبر ضرب الفساد ومراكز القوى التي حولتها إلى إقطاعات، عمدوا إلى محاولة أخونتها وقلبها إلى إقطاعية إخوانية خاصة ومستقلة. ولأن هذه المحاولة ترافقت مع إديولوجيا الإخوان التي تعطي الاولوية للأمة الإسلامية على الوطن المصري، وبالتالي لدولة الإخوان الإسلامية على الدولة الشاملة للجميع، أطلق ذلك الوطنية المصرية القوية والعميقة من عقالها، وقلب موازين الثورة رأساً على عقب: بدل الهجوم على هيمنة رأس المال والمخابرات والعسكر على الدولة، بات هم الناس واهتمامهم هو الدفاع عن هذه الدولة نفسها بكل أجهزتها، كوسيلة للحفاظ على الوطن نفسه.
وهذا رصيد دسم للغاية في جعبة السيسي.
علاوة على ذلك، سيكون في وسع المشير استخدام ورقة الحرب على الإرهاب، ومعها ورقة إعادة الأمان والأمن والاستقرار، كوسيلة فعالة أخرى لتعزيز شرعيته الشعبية. وهذا أمر نجح فيه حتى الرئيس السابق مبارك، الذي حاز هو الأخر حيزاً من الشرعية حين قاتل الإرهاب الأصولي طيلة حقبة التسعينيات.
وفي حال واصل الإخوان المسلمون سياسة التصعيد الحالية، فهذا أيضاً سيصب لصالح السيسي، لأنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى ربط الجماعة ربطاً وثيقاً بجماعات الإرهاب، وإلى شرذمة قوتها الانتخابية والسياسية التي تناهز العشرين بالمئة.
السيسي قادر، إذاً، أن ينطلق من موقع الرئاسة وهو يمتلك أوراقَ قوية. لكن هذا هذا سيكون كافياً لتحقيق النجاح؟
كلا.
لماذا؟
(غدا نتابع)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق