الزملاء والأصدقاء الأعزاء
|
بعد جهود متصلة دامت نحو السنتين، توصّلت نخبة محددة من
المثقفين والمفكرين في إقليم المشرق المتوسطي، إلى وضع تصوّر أوّلي لمنتدى حواري
جديد أُطلق عليه اسم "منتدى التكامل الإقليمي". سيسعى المنتدى إلى
إطلاق عملية حوار في المنطقة، بهدف المساهمة في محاولة نقلها من الحروب العبثية
المدمّرة الراهنة، إلى مرحلة التعاون والتكامل التي تضمن للأمم الأربع،
الإيرانية والتركية والكردية والعربية، مستقبلاً مشرقاً مغايرا، وتعيد للحضارة
المشرقية- الإسلامية دورها في النظام العالمي الجديد الذي يوشك أن يولد.
|
الترخيص الرسمي للمنتدى من وزارة الداخلية اللبنانية
سيصدر خلال الأسبوعين أو الثلاثة المقبلة. وفي تلك الفترة أيضاً، سيصدر أول
إنتاج للمنتدى وهو كتاب :" الأتراك، الإيرانيون، الأكراد، العرب: تكامل أم
انتحار". يقع هذا المؤلف في 340 صفحة، وهو يتناول كل الجوانب الدولية والاستراتيجية
والاقتصادية والثقافية- الإديولوجية كافة التي قد تسمح أو تعرقل مسألة التكامل
الإقليمي والسلام والتعاون في المنطقة.
تحياتي،
سعد محيو
في ما يلي نص الورقة التعريفية بالمنتدى: -
|
منتدى التكامل الاقليمي
لماذا المنتدى؟ ومن يقف وراءه؟
من نحن؟
قبل نحو ثلاث سنوات، بدأت مشاورات
أوّلية بين شخصيات فكرية وثقافية إيرانية وتركية وكردية وعربية، كان عنوانها الأبرز
البحث عن أنموذج
(Paradigm) فكري- حضاري واستراتيجي أمني جديد للمشرق المتوسطي، يفترض
أن يكون قادراً ليس فقط على انتشال الإقليم من وهدة الحروب العبثية الراهنة والصراعات
المذهبية- الجيوسياسية المدمّرة، بل أيضاً على إعادة وضع الحضارة المشرقية- الإسلامية
العريقة على خريطة الجهود الحالية لبناء نظام عالمي جديد؛ وهي الجهود التي باتت تشارك
فيه الآن كل حضارات شرق وجنوب آسيا الناهضة، إلى جانب الحضارة الغربية.
هذه المشاورات لم تنطلق من تفكير
رغائبي، بل استندت إلى فرضيات علمية ووقائع ملموسة نعتقد أنها توفّر بالفعل فرصة ذهبية
لانطلاقة حضارية جديدة للأقليم، وهي:
أولاً: النظام العالمي يمر في مرحلة انتقالية تاريخية كبرى،
قوامها نزول الغرب تدريجياً عن عرش الزعامة والهيمنة العالميتين اللتين كان يتسنمّهما
من دون منازع منذ معاهدة وستفاليا العام 1648، وولوجه أزمة تمزّقات مجتمعية كبرى يتعرّض
فيها حجر الزاوية في مناحي قوته الإديولوجية والسياسية، وهي الدولة - الأمة، إلى التداعي
السريع، بفعل انتفاء دورها ونفعها للرأسمالية وتحوّلها بالنسبة إليها من ضرورة كما
كانت خلال القرون الماضية (للقضاء على الإقطاع وخلق السوق القومي الموحّد) إلى عقبة
(أمام تحويل العالم كله إلى سوق واحد وقرية استهلاكية واحدة). النزعة القومية في القرن
الحادي والعشرين، باتت بالنسبة إلى العولمة الرأسمالية ما كانه الإقطاع في أوروبا القرون
الوسطى: حادث تاريخي فقد مبررات وجوده ويتعيّن تجاوزه سلماً، أو حرباً، أو تفتيتا.
وعلى رغم أن هذا التمزقات المجتمعية
الهائلة لن تعني بأي حال غياب الغرب عن قمرة الزعامة العالمية، إلا أنه بات في حكم
المؤكد أن هذا الأخير لم يعد قادراً على أن يكون الثاني للا شيء، بل سيتعيّن عليه أن
يقبل (سواء سلماً أو عنفا أيضاً) نشوء نظام عالمي جديد مُتعدد الحضارات، بمشاركة كل
حضارات الشرق القديمة.
ثانياً: أن تقدّم الشرق الآسيوي
والتراجع النسبي للغرب، يوفّر فرصة تاريخية حقيقية أمام الحضارة المشرقية - الإسلامية
كي تُطل برأسها مجدداً وتنهض هي الأخرى لتنضم إلى زميلاتها الآسيويات في بناء النظام
العالمي الجديد مُتعدد الحضارات. بيد أن هذه الفرصة موضوعية، وهي يمكن أن تتبدّد هباء
منثوراً في حال لم ترافقها وترفدها جهود ذاتية من جانب أركان هذه الحضارة، أولاً في
المشرق المتوسطي بزعامة تركيا وإيران والعرب والأكراد، ثم في اندونيسيا وماليزيا والهند
الاسلامية وباكستان. غياب مثل هذه الجهود لن يعني فقط ضياع هذه الفرصة التاريخية النادرة،
بل أيضاً، وأولاً وأساساً، استمرار غرق المشرق المتوسطي في لجج "حرب الثلاثين
سنة" الراهنة (على غرار حرب الثلاثين سنة الأوروبية التي قضت على نصف سكان تلك
القارة في القرن السابع عشر) ، أو حتى المائة
سنة المقبلة (كما يتوقع، ويتمنّى، العديد من الرؤوس الحامية في الغرب)، وبالتالي بقاء
معظم مكونات الحضارة- المشرقية الإسلامية كرجل العالم المريض الذي يجب فرض الحجر الصحي
عليه، وتناتش مناطقه وموارده وأدواره بين دول العالم وحضاراته.
ثالثا: لم يعد في مستطاع المشرق
المتوسطي فصل السياسة ومضامينها وموازينها عن مقوّمات الوجود الأخرى، سواء أكانت الوضع
البيئي- الإيكولوجي في كل هذا الإقليم الذي يشكّل حقاً وحدة جغرافية- بيئية متكاملة
ويتربع الآن على عرش المناطق الأولى في العالم المعرّضة إلى الكوارث الهائلة لتغيّر
المناخ، أو الوضع الثقافي- الفكري، حيث باتت حاجة أمم الإقليم الأربعة، الإيرانية والتركية
والكردية والعربية، ماسّة إلى أنموذج فكري (paradigm ) جديد وهوية جديدة تستند إلى القيم المشرقية- الإسلامية العريقة، ينتزعانها من
إسار سلبيات ماضي القرن العشرين التي تمحورت حول الفكرة القومية الشوفينية والانفصالية،
ويقذفانها مجتمعة إلى قلب القرن الحادي والعشرين، بكل مايحفل به من انقلابات، ليس فقط
على صعيد العلاقات الدولية التي باتت قائمة على النزعتين الإقليمية والعالمية بدل نزعة
الدولة- الأمة ، بل أيضا على صعيد الثورات الهائلة في العلم والتكنولوجيا والمفاهيم
الجديدة المذهلة حول معنى وفلسفة الوجود نفسه، كما تقترحه الآن العلوم والفيزياء الحديثة.
هل هذا ممكن؟
كثرة في هذا المشرق المتوسطي
يرون أن الإقليم يتجه نحو طريق واحد لا غير، يقود إلى استمرار المرحلة الراهنة من الدمار
الشامل والعاصفة الكاملة، وانفلات غرائز الإبادات الجماعية، والقضاء المُمنهج والصارخ
على الأنظمة البيئية ومقومات الحياة برمتها، وتقويض كل أو معظم منظومات الاجتماع البشري
من قيم ومبادىء ومعايير حضارية وأخلاقية، ونسف مفاهيم السياسة العليا التي تُعلي من
شأن الحياة الفاضلة للجماعة والفرد وأمّنا الطبيعة. اليد العليا في العقد الثاني من
القرن الحادي والعشرين كانت بالفعل للتطرّف القومي والديني الفاشيين والقّبّلي والعشائري
بين كل المذاهب والطوائف والإثنيات، وبدفعٍ من قوى دولية تعمل على إعادة رسم الخرائط
السياسية للإقليم بدموية فظيعة، تضمن انخراط الجميع ضد الجميع في حروب أبدية، لن تؤدي
في نهاية المطاف سوى إلى الانقراض الانتحاري لكل أمم المنطقة.
كل هذا صحيح ودقيق. لكن، وبالتحديد
لأنه صحيح، لامناص موضوعياً من استيلاد الحلم من رحم الكابوس، والحياة من براثن الموت.
هذا هو أسّ قوانين الطبيعة والتاريخ، أو الينغ ونقيضه اليانغ كما يعتقد الصينيون، أو
التحدي والاستجابة كما يقول توينبي، أو القضية ونقيض القضية لدى هيغل.
ثُمَ: ثمة ظاهرة فاقعة برزت
بعد الحرب العالمية الثانية وينبغي التوقُّف أمامها ملياً: على رغم الانتصار العالمي
الكاسح للحضارة الغربية التي لم تترك زاوية صغيرة واحدة في العالم لم تخترقها، وهذا
على كل المستويات العلمية والسياسية والإديولوجية والثقافية والفكرية، وحتى في المأكل
والملبس وطرق العيش وبعض العادات، إلا أن الحضارات الشرقية القديمة لم تتغربن تماماً
ولم تتبدد كما حدث للحضارات الأخرى الضعيفة في الأميركيتين واستراليا وبعض إفريقيا.
صموئيل هانتينغتون هنا كان على حق (على الأقل في هذه النقطة): الحضارات الشرقية تلج
كلياً الحداثة من دون أن تتغربن إلا جزئيا. وهذا ما عبّر عنه مهاتير بن محمد حين شدّد
على "أننا حديثون، لكننا لانريد أن نصبح غربيين". وهو بذلك كان (ومعه كل
سرب النمور الآسيوية) يسجّل السقوط المجلجل والنهائي للفكر الكمالي الأتاتوركي الداعي
إلى حل الحضارة المشرقية- الإسلامية والاندماج الكلي بالغرب (بدءاً من إحلال القبعة
الغربية مكان الطربوش وما تحته).
بكلمات أوضح: الحضارة الغربية،
بانجازاتها الإيجابية، باتت جزءاً من الحضارات الشرقية، بدل أن تكون هذه الحضارات جزءاً،
مجرد جزء مُلحق، بالحضارة الغربية. وهذه الحقيقة يجب وضعها بعين الاعتبار حين الإطلالة
على طبيعة الصراع الذي سيدور رحاه حول النظام العالمي الجديد بكل مضامينه الاقتصادية
والسياسية والثقافية، وبجملة موازين القوى فيه.
هذه الحقيقة تجسّدت أولاً في
حركات التحرر الوطني والثورات الشعبية ضد الاستعمار الغربي في حقبة الخمسينيات، والتي
ارتكزت إلى مباديء وثيقة باندونغ التي كانت في العمق وفي أبعادها الحقيقية أوّل
"غرفة عمليات" حقيقية للحضارات الشرقية القديمة ضد الهيمنة الغربية، كما
لاحظ عن حق أنور عبد الملك. لكن التجلي الأقوى لها (الظاهرة) برز في النصف الثاني من
القرن العشرين، حين بدأ مركز الثقل الاقتصادي والاستراتيجي العالمي ينتقل من أوروبا-
الأطلسي إلى آسيا/الباسيفيك للمرة الأولى منذ خمسة قرون.
لكن، ولأن الحروب في المشرق
عبثية ولن يكون من ورائها طائل البتة سوى القتل الجماعي والدمار والانحلال، كما أثبتت
بجلاء، ومرّة بعد مرّة بتكرار مُمل، الحروب الأهلية الإسلامية – الإسلامية طيلة أكثر
من ألف سنة، وكما أثبتت حروب العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، سيكون مُحتّماً
في لحظة ما أن يصل الجميع إلى القناعة بأن الحوار هو المنقذ الوحيد من ضلال الانتحار
الجماعي، تماماً كما اكتشف البروتستانت والكاثوليك الأوروبيون في القرن السابع عشر،
حين يمموا وجههم نحو وستفاليا طلباً للنجاة المشتركة بدل الهلاك المشترك.
بيد أن هذه لحظة يجب العمل،
كما أسلفنا، على استيلادها لا انتظار ولادتها، لأن التدخلات الدولية الكثيفة في مجرى
الصراع المشرقي، ستعمل دوماً على إيقاد نيرانه كلما بدا أنه بدأ يخمد، وعلى تقوية الطرف
الضعيف لدفعه إلى مواصلة الحرب ضد الطرف الأقوى (جورج بوش مع الشيعة ضد السنّة، ترامب
ضد الشيعة مع السنّة، وأوباما في لعبة التوازن بين السنّة والشيعة وتوجيه وتغذية الصراع
بينهم).
ماذا نريد؟
نسعى إلى أن نُطلق شعاع نور
وأمل يخترق السماء الداكنة راهناً في الإقليم، وأن نحث النخب العقلانية والمُخلصة في
الأمم الأربع، التركية والإيرانية والكردية والعربية، على وضع أنموذج فكري – حضاري
جديد يدير الظهر للشوفينية القومية والتعصب الديني، ويستند إلى القيم الروحانية الحضارية
المشرقية- الاسلامية، والتكامل الإقليمي الجيو-ثقافي والجيو- استراتيجي بين دول الإقليم،
إضافة إلى العمل المشترك لانقاذ بيئة المنطقة من المهالك الوجودية التي تترّبص الدوائر
بكل شعوب المنطقة لا استثناء.
بالطبع، يدرك مؤسسو المنتدى
أن هذا هدف طموح للغاية، ودونه عقبات خارجية غربية وإسرائيلية ضخمة ومعوقات داخلية
أضخم. لكن، من كان يتصوّر، في المقابل، أن تقوم العدوتان التاريخيتان فرنسا وألمانيا
ليس فقط بانهاء حقبة حروب دامت بينهما عشرات القرون، بل أيضاً بناء أضخم تنظيم إقليمي
في العالم؟ ومن كان يعتقد أن في وسع دول جنوب شرق آسيا أن تجلس إلى طاولة الحوار للتباحث
حول بناء مستقبل مشترك بينها، وتقترب من لحظة إقامة هيكلية كونفيدرالية إقليمية بينها؟
بل من كان ليتصوّر أنه سيكون ممكناً للأعداء التاريخيين الصينيين واليابانيين والكوريين
أن يتدارسوا بناء اتحاد على النمط الاوروبي بينهم في مستقبل قريب ما، وفق مايفعلون
("سرا") الآن؟
إقليم المشرق المتوسطي هو المنطقة
الرقم واحد في العالم التي تمتلك كل مقومات التوحّد الجيو- استراتيجي المتطابق مع جغرافيتها
وتاريخها. ومع ذلك فهي الآن الإقليم الوحيد أيضاً في العالم الذي لايزال يفتقد إلى
هيكلية تعاونية إقليمية. وهذا مانرفضه نحن في المنتدى وسنعمل على تغييره.
أين موقع إسرائيل من هذه الجهود
لتحقيق الحوار والتكامل الإقليميين؟
لا مكان ليهود فلسطين المحتلة،
طالما أنهم لازالوا يسبحون في مستنقع الوباء الصهيوني، وطالما أنهم يعتبرون أن بقاءهم
يعتمد على تشتيت وتفتيت الإقليم المشرقي، بدل تكامله، وعلى منع أي تطور تكنولوجي- اقتصادي
أو أي نزعة استقلالية- توحيدية له.
الصهيونية ستكون حتماً، كما
النظام العالمي الغربي الذي ترعرعت في حضنه والذي يتداعى الآن، ظاهرة عابرة في تاريخ
المنطقة، تماماً كما الدويلات الصليبيية. وإذا ما أراد اليهود مستقبلاً أن يعودوا إلى
حضن الحضارة المشرقية- الإسلامية التي اعترفت بهم وصانتهم طيلة نيف و1400 عام، فعليهم
أن ينزعوا عنهم أولاً عباءة الوباء الصهيوني، وأن يعيدوا للشعب الفلسطيني حقوقه كاملة.
علاوة على ذلك، سينشط المنتدى،
في إطار دفعه لإحياء القيم المشرقية- الإسلامية وبلورة الهوية الحضارية والروحانية
والتاريخية الجامعة لكل أمم الإقليم، لبذل جهود حقيقية، فكرية وبحثية، من أجل تحقيق
الإصلاح الديني ودعم كل المبادرات التي أعلنها العديد من المؤسسات الدينية، خاصة الأزهر
الشريف، بما يؤمّن ليس فقط قيام دولة المواطنة أو الدولة المدنية في كل من دول الإقليم،
بل يعيد كذلك بث الروح في القيم الروحانية المشرقية- الإسلامية القائمة على وحدة وواحدية
كل المخلوقات والكائنات، وكل الكون والوجود.
ونعتقد في المنتدى أنه في اللحظة
التي يبدأ فيها الحوار في المنطقة حول مسألة التكامل الإقليمي، سيكون على رأس جدول
أعماله الضرورة القصوى لصيانة واحتضان وترقية التنوّع الثقافي والعرقي لكل مكونات الإقليم
(من أكراد وأمازيغ وبلوش ومسيحيين وعلويين واسماعيليين وكلدان وأيزيدييين وسريان وأرمن..
الخ)، لأن مثل هذا التنوّع في إطار الوحدة، سيعزز إلى حد كبير وحدة الإقليم وتماسك
النسيج الاجتماعي في كل من دوله. ونحن نعتقد جازمين أن بدء الحوار الهادىء والعقلاني حول التكامل الإقليمي،
الذي سيكون في الواقع إيذاناً ببدء اعتراف الجميع بـ"الأعماق الاستراتيجية"
لكل أممه الأربع، سيؤدي أيضاً إلى الاعتراف بالإعماق الثقافية- التاريخية لكل الأقليات،
وسيعيد للحضارة المشرقية – الإسلامية السمة الكبرى الأهم التي ميزّتها طيلة التاريخ
عن الحضارات الأخرى، وهي قبول التنوّع والتعدد في إطار الوحدة، والاعتراف بالآخر.
من يقف وراءنا؟
لا أحد. فنحن جميعاً في المنتدى
ليس لدينا لاطموحات شخصية سياسية، ولا تطلعات مالية، ولا ارتباطات إديولوجية أو مصلحية
بأي طرف. الدافع الوحيد لدينا هو إيماننا الراسخ بأن الحضارة المشرقية- الإسلامية العريقة
تستأهل حقاً أن تقف على قدميها ثانية، وأن تنضم إلى شقيقاتها الآسيويات في بناء نظام
عالمي جديد متعدد الحضارات، قادر على إعادة تصويب مسيرة المغامرة البشرية بعيداً عن
مزالق العولمة الرأسمالية العمياء الراهنة.
هذا لايعني أننا سنرفض الدعم
المالي، إذ لا مجال للعمل من دونه. لكن هذا سيتم في إطار شفافية كاملة وعلنية، ووفق
المعايير التي ستضعها الهيئة العامة للمنتدى.
كيف سنعمل تنظيميا؟
سيكون هدفنا الأول عقد مؤتمر
سنوي لنخب الأمم الأربع، يتم فيه التداول حول أنجع السبل لإطلاق مسيرة الحوار الإقليمي،
وبلورة مفاهيمه، ونشر الوعي به في كل بلدان الإقليم بشتى الوسائل؛ على أن يخرج المؤتمر
بلجنة تنسيق عليا تشرف على كل النشاطات في فترة مابين المؤتمرين.
لتحقيق هذا الهدف، سيتعيّن خلق
شبكات في كل بلدان الإقليم تضم كل الشخصيات من كل الاختصاصات التي تؤمن بفكرة التكامل
الإقليمي وتدعمها. هذا إضافة إلى تأسيس موقع الكتروني خاص بالمنتدى، واستخدام كل وسائل
التواصل الاجتماعي، والعمل لاحقاً على إطلاق
محطة تلفزيونية على الانترنت تقوم بنشر الوعي الإقليمي الجديد في المنطقة.
سيكون من أولى مهام المؤتمر
الأول تحديد الشكل التنظيمي لفكرة التعاون والتكامل الإقليميين، عبر الاستنارة بتجارب
تكامل إقليمي مشابهة، من مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي (مع وثيقة هلسنكي الختامية
العام 1975)، وما تلاه من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والاتحاد الأوروبي، إلى رابطة
دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مع ذراعها الأمني منتدى آسيان الإقليمي؛ ومعاهدة شنغهاي،
مروراً بالعمل على تطوير وتوسيع كلٍ من المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية ومجلس التعاون
الخليجي واتحاد المغرب العربي بما يؤدي إلى لم شمل كل أمم المنطقة.
هل نستطيع؟
نعم. حتما. لكن بثلاثة شروط
سيعمل المنتدى على هديها:
الأول، أن نعلن رفضنا القاطع
والكامل والشامل للحروب والصراعات المذهبية والجيوسياسية الراهنة بشتى أشكالها، بما
تتضمنه من إعادة فتح بطن المنطقة (كما يحدث الآن) أمام كل مباضع التقسيم والتفتيت والاحتلالات
والتدخلات الدولية، وأمام مواصلة دفع أمم الإقليم إلى أشداق الفقر والاستنزاف والتهميش
والتدمير البيئي والمجتمعي.
والثاني، أن نثبت قولاً وفعلاً
أننا مؤمنون إيماناً مطلقاً بقدرة أمم الحضارة المشرقية - الإسلامية الأربع، حين تمتلك
الإرادة السياسية والحضارية، على قلب الكابوس الداكن الراهن الذي تعيشه جميعا إلى حلم
زاهٍ تتفتح فيه كل أزهار التطوّر والتقدم، وورود التعاون والتضامن والمحبة والسلام،
وهذا على كل الصعد الاقتصادية- السياسية والعلمية- التكنولوجية، والثقافية، والبيئية،
وصولاً إلى إعادة بناء الوحدة الجيو- ثقافية والجيو- استراتيجية للإقليم ومعه الهوية
الحضارية المشرقية- الإسلامية العالمية.
والثالث، أن الكثيرين يعتقدون
أن استخلاص فكرة الحوار العقلاني الإقليمي، ناهيك بالتعاون ثم التكامل، من أتون الصراعات
الجنونية الراهنة، ستكون أشبه بمحاولة الحراثة في البحر. لكن نحن، وعلى رغم اعترافنا
الكامل بالمشقات الهائلة التي تنتظرنا، نؤمن في الوقت نفسه أن جنسنا البشري يمتلك،
بالإضافة إلى جنونه، ومضات يقظة ضمير أخلاقية وحضارية وعقلانية قد تكون هي ميزته الرئيسة
بين المخلوقات. نحن نراهن ليس فقط على هذه الومضات، بل أيضاً على قدرة حضارتنا العريقة على تحويلها إلى نبض حضاري
واستراتيجي جديد في المنطقة، عبر المنهج العلمي والعملاني المتدرّج الذي يعترف بالصعوبات،
ويغتنم الفرص، ويعمل على بناء الثقة بالتدريج بين الأمم الأربع على أساس المصالح المشتركة،
والمصير المشترك، والأمل باستعادة الدور الحضاري العالمي لإقليمنا.
ثم، وهنا الأهم: لم يعد في الواقع
أمام أممنا الأربع سوى خيار من إثنين: إما الحوار والتعاون والتكامل المشترك، أو الانتحار
المشترك في دياجير حروب الأشباح والأوهام والظلال، ومعارك الوعي الزائف واللاعقلاني
لدى الأطراف التي تتخانق الآن حول الطريقة التي يريد الله تعالى أن يتجلى فيها في العالم.
ونحن في المنتدى، ومعنا حتماً
الغالبية المعتدلة والعقلانية في كل أمم الإقليم الأربع التي ترفض نزعة الدمار والانتحار،
سنقف بكل نبضنا وقلوبنا وجوارحنا إلى جانب الخيار الأول.
_________________