للاشتراك في المدّونة، لطفاً ضع عنوانك الالكتروني هنا

السبت، 30 يونيو 2012

سورية تدفع الأن أثمان الحرب الاهلية اللبنانية










الرئيس حافظ الأسد أَكَلَ الحصرم وابنه بشار يضرس
سورية تدفع الآن أثمان الحرب الأهلية اللبنانية

سعد محيو


"البعض يخشى أن تكون ديناميكيات الحرب الأهلية في سورية قد أصبحت مُتجذِّرة، إلى درجة أنه حتى لو دعمت روسيا خطة كوفي أنان الجديدة حول المرحلة الانتقالية، فلن يكون لذلك تأثير على الأرض".
هكذا أطلّ الكاتب البريطاني أبيجيل فيلدينغ-سميت (فايننشال تايمز- 30-6-2012) على الوضع السوري عشية اجتماع "المجموعة الدولية حول سورية" في جنيف اليوم، والتي يُفترض أن يجد حلاً خارجياً دولياً ما للأزمة الداخلية السورية.

نهاية سباق
 الكاتب يبدو على حق: إذ يبدو أن السباق بين الحرب الأهلية السورية وبين الحل الدولي انتهى لصالح الأولى التي أصبح لها اليد العليا الآن، بقرار مشترك من النظام والمعارضة معا. إذ أن الرئيس بشار الأسد أبلغ التلفزيون الإيراني قبل يومين أنه لن يقبل حلاً خارجياً "حتى لو أتى من دول صديقة". وهذا يعني، في الظروف الراهنة، مواصلة الحرب حتى الرمق الأخير. والمعارضة قالت أنها لن تقبل بأي حل دولي يتضمن شراكة مع الاسد وفريق عمله في أي مرحلة انتقالية. وهذا يعني، في الظروف الراهنة أيضا، مواصلة الثورة المسلحة حتى تغيير موازين القوى العسكرية والسياسية الحالية بالقوة حتى الثمالة.
هذه الحالة الاستقطابية الحادة بين النظام والمعارضة، تجعل الحرب الأهلية هي "الحل" الوحيد لحسم الأمور أو إيصالها إلى خواتيم ما. أو هذا على الأقل ماتشي به كل تجارب الحروب الأهلية بلا استثناء تقريباً في العالم: فحين يُغلق باب الحوار وتُسد آفاق الحل السياسي، لايبقى سوى تفجير المجتمع عبر العنف من داخله لاستيلاد واقع جديد.
 إنه "التدمير الخلاّق".

ماذا فعل حافظ؟
لكن، كيف ولماذا وصلت الأمور إلى هذه الهاوية في سورية؟
السؤال يبدو مهماً من زاوية تاريخية محددة: فسورية، وعلى عكس توأمها الصغير لبنان، ليس لها ماضٍ من الحروب الأهلية الطائفية. صحيح أنها كانت تشهد أحياناً اضطرابات (كما في القرن التساع عشر) و"صراعات باردة" بين مكوناتها المذهبية والأثنية، لكن هذه لم تتطور يوماً إلى حرب أهلية مكتملة النمو، ولم تَسُد فيها ثقافة العنف العاري بين هذه المكونات. فلماذا، إذاً، نرى الآن ما نرى من انجراف نحو هذا الأتون الأهلي؟
الغوص قليلاً في التاريخ الحديث قد يكون مفيدا:
حين اندلعت الحرب الأهلية الدموية في لبنان العام 1975 ، حذَّر الكثيرون الرئيس الراحل حافظ الأسد من أنه مالم يتم العمل على وقف هذه الحرب بشتى الوسائل، سيتمد لهيبها إن آجلاً أو عاجلاً إلى الوطن السوري. لكن الأسد الأب ببراغماتيته المتطرفة وتحييده التام للمباديء القومية العربية والقيم الأخلاقية عن العمل السياسي، لم ير في الحرب الأهلية اللبنانية خطراً داهماً بل فرصة مزدوجة: من جهة، إحكام السيطرة على لبنان وبناء امبراطورية إقليمية على رفاته( بالتنسيق مع إسرائيل، كما أثبتت اتفاقية "الخطوط الحمر" الشهيرة معها العام 1976 والتي سمحت لقواته بدخول لبنان)، ومن جهة أخرى بناء استقرار سورية على لا استقرار لبنان، عبر تخويف الشعب السوري بالصوت والصورة من الكارثة اللبنانية الماثلة لثنيه عن معارضة سياساته.
وهكذا انغمس الرئيس السوري حتى أذنيه في تأجيج الصراع الأهلي اللبناني، تماماً على عكس مافعل الرئيس جمال عبد الناصر إبان حكمه لسورية، حين قرر وقف الثورة اللبنانية التي اندلعت العام 1958 لصالح جمهوريته العربية المتحدة، لأن هذه الثورة ارتدت آنذاك ثوباً طائفيا. آنذاك رفع ناصر شعاره الشهير "الوحدة الوطنية اللبنانية أهم من الوحدة العربية".
الأسد فعل العكس، فسلّح تارة المسلمين وتارة المسيحيين، وحارب الحركة الوطنية العلمانية العابرة للطوائف، وحوّل المقاومة الوطنية اللبنانية لإسرائيل إلى مقاومة مذهبية شيعية، ومنح أجهزة مخابراته صلاحية مطلقة كي تعيث فساداً في لبنان على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالطبع المبدئية. ولم يُنه الأسد الأب نشاطه التدميري في لبنان، إلا بعد أن سيطر بالكامل على هذا البلد العام 1989 ومجدداً بضوء أخضر إسرائيلي- أميركي.
هذا التوظيف "الاستراتيجي" للحرب الأهلية اللبنانية، حقق للأسد الأب استقراراً مديداً في السلطة ومكّنه في الوقت نفسه من تحويل سورية برمتها إلى ثكنة أمنية- استخبارية. المقايضة هنا مع المجتمع السوري كانت واضحة: أمنكم مقابل استبدادنا.
بيد أن الرئيس الأب نسي أمراً مهما في هذه المعمعة الدموية: الحروب الأهلية ليست معارك كر وفر عسكرية، بل هي في الدرجة الأولى ثقافة، وسايكولوجيا انفعالات، وتكريس انتماءات ما دون وطنية وما دون قومية (في العالم الثالث). وهكذا، في حين أن الشعب السوري كان يخشى بالفعل انتقال لهيب الحرب الاهلية اللبنانية إلى داره، كانت فئاته المُنوّعة تعيش في الوقت نفسه هذه الحرب على مستويات الهويات القاتلة (بالأذن من أمين معلوف) والثقافة والسايكولوجيا. النار اللبنانية لم تشتعل حينذاك في سورية، لكنها بقيت تحت الرماد تنتظر الفرصة المناسبة.
صحيح أن عملية ضرب كل ماهو وطني وقومي ويساري في لبنان، وإقامة التحالفات المذهبية التي تكرّست لاحقاً في الحلف السوري- الإيراني الشهير، لم تنبع من "علوية" الرئيس حافظ الأسد بل من براغماتيته المطلقة. لكن الحصيلة كانت واحدة: ضرب كل ماهو وطني ويساري في سورية وتمهيد الطريق، بالتالي، أمام انفلات الهويات الطائفية القاتلة، وسقوط البدائل القومية العربية التي وصل على أساسها حزب البعث إلى السلطة العام 1963.

عنب وحصرم
ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني أن سورية تدفع نقداً حالياً أثمان سياسات الرئيس الأسد الأب البراغماتية، التي كان واضحاً من البداية لكل من يريد أن يرَ أن لها وجهين كوجهي الأله جانوس: أحدهما مبتسم وهو يدل على النجاجات الآنية للسياسات اللاأخلاقية، والثاني عابس ويعكس الكوارث المطبقة متوسطة وبعيدة المدى لمثل هذه التوجهات.
سورية تعيش الآن الحرب الأهلية اللبنانية بكل تفاصيلها. إنه الاستحقاق المؤجل الذي خلق في سورية ثقافة حرب أهلية ساخنة لم تكن تعرفها في تاريخها.
لكن، وكما كل شيء في الفيزياء والطبيعة، ثمة دوماً بدايات لأي شيء.
والبداية كانت مع الرئيس حافظ الأسد الذي أكل الحصرم الذي يضرس منه الأن ابنه الرئيس بشار.
     ______________________________________________


   
.





الجمعة، 29 يونيو 2012

عزيزي القاريء، أنت تحت المراقبة






" كل الأماكن العامة قيد الرقابة من جانب كاميرات الشرطة. كل تحركات المواطنين وتنقلاتهم مراقبة من قبل الأقمار الإصطناعية التي تترصد سياراتهم وهواتفهم. إعتقال المواطنين وسجنهم بدون محاكمة، يمكن أن يحدثا في أي وقت لمجرد وشاية من الجيران. التعذيب النفسي والجسدي بات الوسيلة الفضلى للدولة، وبطاقات الهوية الإلكترونية أصبحت بمثابة إضبارة إتهام لكل مواطن، لأنها تتضمن كل المعلومات والأسرار عن حياته، وعائلته، ومعتقداته، إضافة  إلى سجله الطبي والعدلي".


لا، لا.  هذا ليس  وصفاً لمزرعة حيوان جورج أوريل الديكتاتورية، ولا لكوريا الشمالية أو الإتحاد السوفييتي السابق. إنه صورة عما يجري الان وتحت أعيننا مباشرة في أول دولة برلمانية دستورية في العصور الحديثة( بريطانيا)، وأيضاً في أول الديوقراطيات الليبرالية في التاريخ ( الولايات المتحدة).
صَدق او لا تصَدق. لكنها حقيقة عارية.
 كتب سيمون جينكينز في " الغارديان" : " الدميقراطيات الغربية تخسر الان الحريات الشخصية التي دفعت شعوبها ثمنها نقداً من دمائها، والتي تتطلب الأمر قروناً طويلة لتحقيقها".
لماذا هذا الإنقلاب المخيف؟
التبرير جاهز فوراً: حماية المواطنين الغربيين أنفسهم من الأرهاب والإرهابيين، والتطرف الديني ( الإسلامي خصوصاً) والمتطرفين.
الأرهاب موجود بالطبع، وكذلك الحاجة إلى الوقاية منه. لكن كيف؟ ليس حتماً بالاسلوب الذي تتبعه الدول الغربية الأن: تحويل الأرهاب من مشكلة بوليسية جرمية إلى حرب عسكرية عالمية سلاحها الاول تخويف المواطنين من عدو خفي يلاحقهم في كل مكان حتى في أسَرتهم.
المسألة كلها إختراع بإختراع. والهدف كله تأسيس ديكتاتوريات خفية في الدول الديمقراطية، تكون تمهيداً لتأسيس ما هو أهم بكثير: نظام عالمي إستبدادي يتحَكم بمصائر البشر، بمعرفتهم وبدون معرفتهم، من المهد إلى اللحد.
ولكي لا يبقى حديثنا نظرياً أو إفتراضياً، نسوق المعطيات المخيفة الآتية:
1-     ثمة برامج عدة  في الولايات المتحدة وبريطانيا يطلق عليه إسم MKULTRA ,  ، MKDELT، , BLUE BIRD,  MONARSH تديرها كلها وكالات الإستخبارات الأميركية والبريطانية والهيئات الملحقة بهما. هذه البرامج، التي وضعت في وقت مبكر من الخمسينيات بإشراف عالم النفس الكندي الدكتور أوين كاميرون، تستهدف السيطرة على عقول البشر، وإجراء إختبارات سايكولوجية- بيولوجية في مختبرات سرية تحت الأرض  عير إستخدام عقاقير مثل ( LSD) وتقنيات التلاعب بالعقول يطلق عليها إسم " السياقة السايكولوجية " و " تفكيك الشخصية " . هذه التقنيات أفرزت قتلة محترفين يقال أنهم قاموا من دون يدروا بإغتيال شخصيات كبرى مثل جون كينيدي وشقيقه روبرت كينيدي، ومارتن لوثر كينغ ومالكولم أكس، والملك السعودي الراحل فيصل.
2-     تجري الان أبحاث في مختبرات سرية أيضاً على إنتاج رقاقة إلكترونية دقيقة توضع في رأس الإنسان أو يديه، ويكمن بواسطتها التحكم بسلوكياته كما الإنسان الآلي. ويقال أن هذه التقنية التي بلغت مرحلة النضج، تتضمن بث إشارات راديو إلى أجزاء معينة من دماغ الإنسان، تدفع المرء إلى تنفيذ توجهات إجرامية وهو يعتقد أن هذه السلوكيات من بنات أفكاره.
3-     وهناك التنويم المغناطيسي الجماعي، الذي يعتمد على قصف الوعي الكامن والوعي الباطن بمعلومات متكررة عبر طريقتين: الاولى علنية، وتتمثل في التغطيات  الموجًهة المعتمدة على التخويف والترهيب وغسل الأدمغة التي تبثها أجهزة الأعلام الكبرى التابعة للنخبة العالمية الحاكمة. والثانية سرية، وتتضمن بث رسائل خفية في الأغاني والموسيقى والأفلام والإعلانات لا يستطيع البشر سماعها، لكنها قادرة على الوصول إلى الوعي الكامن والوعي الباطن.
هذه التقنيات، إضافة إلى غيرها الكثير، تستهدف جميعاً أمراً واحداً: تحويل المواطنين المعاصرين إلى بشر ذي بعد واحد، وربطهم جميعاً في النهاية في جهاز كومبيوتر عملاق قادر على التحكم بكل سلوكياتهم وتوجهاتهم، وحتى رغباتهم.
 إنه " الأخ الأكبر- الوحش" الذي تنبأ جورج أوريل بظهوره وسيطرته على كل الجنس البشري عبر التكنولوجيا والعلم.
وهذا الوحش بدأ على ما يبدو أولى وجباته الأن: أبناءه وبناته في أميركا وبريطانيا. والبقية على الطريق.

الأربعاء، 27 يونيو 2012

الخليج لن يكون "الاستثناء" في الربيع العربي



منطقة الخليج لن تكون"الاستثناء"
في الربيع العربي.. وهذه الأسباب

سعد محيو
هل سيبقى الربيع العربي، الذي يمتد قوسه الآن من تونس في شمال إفريقيا إلى سوريا في غرب آسيا، "شتاء" في منطقة الخليج العربي؟
الأمر يبدو مستحيلاً، لسببين:
الأول، أن أي دولة أو منطقة في القرن الحادي والعشرين المتعولم لاتسطيع ان تعيش في وضع "سري" أو عزلة عما يدور في إقليمها وبقية أنحاء الكرة الأرضية. وهذا يصح على وجه الخصوص في قضايا:  المواطنة، وسيادة القانون، والشفافية، والحوكمة الرشيدة، التي تعتبر الآن كلها الركائز الرئيسة للنظام العالمي الحالي المستند إلى ثورتي العولمة الاقتصادية وتكنولوجيا المعلومات.
والثاني، وربما الأهم، أن أحداث الربيع العربي طيلة الشهور الماضية، دلَّت بشكل قاطع على أن ثمة قراراً استراتيجياً دولياً (أميركياً- أوروبياً أساسا) على أعلى المستويات يقضي بوقف التحالف التاريخي بين الغرب الديمقراطي وبين الشرق الاستبدادي، ومن ثَمَ تسهيل إطلاق عملية دمقرطة تمهِّد في وقت لاحق لقيام نظام إقليمي اقتصادي- أمني جديد في الشرق الأوسط. هذا ما كان الأميركيون يطلقون عليه منذ العام 2001 مشروع الشرق الأوسط الكبير، والأوروبيون المبادرة المتوسطية، وهذا مادعا إليه مراراً وزير خارجية "العثمانية الجديدة" داوود أوغلو.

عيِّنات خليجية
الربيع، إذا، لن يكون فصلاً معزولاً أو  قصراً على دولة شرق أوسطية دون غيرها. وبالتالي، فهو سيتمدد عاجلاً أم آجلاً إلى منطقة الخليج العربي. لا بل هذا التمدد بدأ بالفعل.
فتقرير لجنة العفو الدولية (Amnesty International) الأخير، كشف النقاب ليس فقط عن ممارسة أـساليب القمع ومصادرة الحريات في المملكة العربية السعودية، بل أيضاً عن وجود آلاف المعتقلين في السجون السعودية. ومع أن بعض هؤلاء المعتقلين متهمون بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، إلى أن هذا لاينفي وجود أعداد كبيرة من "سجناء الضمير" الذين حاولوا منذ شباط/فبراير الماضي طرح قضية الإصلاح الديمقراطي، في هذه المملكة التي يعتبر النظام السلطوي فيها الأكثر "سرِّية" في العالم.
ويشير تقرير لجنة العفو إلى أن آلاف المعتقلين هؤلاء سجنوا من دون محاكمة، أو أوقفوا أمام القاضي وهم معصومو العينين وموثقو الأيدي. كما أشار إلى أن نحو 300 شخص، أساساً من المسلمين الشيعة، الذين اشتركوا في مظاهرات سلمية تطالب بالديمقراطية في الأشهر القليلة الماضية، أعتقلوا وسحبت منهم جوازات سفرهم.
وذكر التقرير "أن ممارسات القمع التي تمارسها الحكومة العربية السعودية ضد المطالبين بالديمقراطية مثيرة للقلق، وهي تشبه الممارسات التي طبقت على المتهمين بالقيام بأعمال إرهابية. وكل هذا بهدف منع تمدد المطالبات بالديمقراطية التي تكتسح المنطقة إلى السعودية".
حملة القمع السعودية هذه بدأت في آذار/مارس، أي مباشرة بعد ثورتي تونس ومصر، وهي استهدفت في آن المحتجين على خرق حقوق الإنسان، والمطالبين بالملكية الدستورية، والنساء الداعيات إلى منحهن حق قيادة السيارات، والأهالي المحتجين على سوء الخدمات الصحية والإجتماعية، خاصة في جدة، وأولئك المطالبين بإطلاق سراح ذويهم من المعتقلين.
هل ستنجح هذه الإجراءات في تحصين مملكة السعوديين من رياح الربيع العربي؟
سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك فلنتابع رحلتنا في منطقة الخليج.

بقية الدول
الكويت، التي تتمتع بديمقراطية نسبية منذ استقلالها في حقبة الستينيات، كانت المرشح الاول، وحتى قبل مقدم الربيع العربي بعقود عدة للتحوّل إلى ملكية دستورية.  وهو توقّع وصل إلى  ذروته العام 1992 بعد خروج القوات العراقية من البلاد، حين ظن الكثيرون أن الأسرة الحاكمة ستكافيء شعبها الذي تمسّك بها خلال الأزمة الطاحنة التي مرّت لها بتطوير النظام السياسي.
بيد أن هذه التوقعات ذهبت هباء منثورا. فالأسرة استأنفت "العمل كالمعتاد"، وواصلت الإمساك بكل مفاصل السلطة واللعب على وتر التناقضات بين القوى السياسية المتباينة في البلاد. ثم عمدت قبل أيام، عبر المحكمة الدستورية، إلى إسقاط الشرعية عن البرلمان المنتخب.
طيلة فترة الربيع العربي، لم تشهد الكويت موجة احتجاجات شبيهة بتلك التي اكتسحت المنطقة العربية. بيد أن قيام محتجين باقتحام مبنى البرلمان في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أضفى على الكويت قدراً كبيراً ومفاجئاً من ملامح هذا الربيع.
فهذا الحدث الجلل أطلق دعوات الإصلاح من عقالها. فطالب جمعان الحربش، وهو عضو إسلامي في مجلس الأمن الكويتي، بإنهاء حظر الأحزاب السياسية، مشدداً على أن "الدستور الحالي لم يعد يستوعب الحراك في الشارع الكويتي"، وعلى أنه "يجب أن يكون هناك تنظيم للاحزاب السياسية حتى تصبح الكويت ديمقراطية تبني دولة مؤسسات وليس دولة مشيخة، وعشيرة، وقبيلة".

.. وثورة البحرين
في البحرين، التي انضمت بقوة إلى الربيع العربي منذ بداياته وقدّمت العديد من الضحايا والتضحيات، بدا واضحاً طيلة الأشهر القليلة الماضية أن الحل الأمني- العسكري لن يخمد الانتفاضة الشعبية التي أكد تقرير لجنة تحقيق مستقلة عيّنتها الحكومة البحرينية عن أن الانتفاضة البحرينية ألا علاقة لها بإيران (كما كانت تدَّعي السلطات).
وأورد هذا التقرير، الذي وقع في 500 صفحة وتضمن 9000 شهادة، تسلسلاً للأحداث، فوثَّق 46 شهادة، و559 حالة تعذيب، وأكثر من 4000 حالة طرد من العمل بدوافع سياسية في كل من القطاعين العام والخاص. كما انتقد ممارسات أجهزة الأمن "التي استخدمت القوة والأسلحة النارية بطريقة مبالغ فيها، وكانت في العديد من الحالات غير ضرورية وغير متناظرة وعشوائية".
هذه المعطيات أضفت لوناً ربيعياً فاقعاً على الانتفاضة البحرينية، وأسقطت عنها بشطحة قلم كل تهم الطائفية و"العمالة للخارج" والعنف غير القانوني. وهي بالتالي ستشكِّل من الآن فصاعداً معلماً من معالم الحياة السياسية في هذه الجزيرة الصغيرة.
لكن العديد من المحللين يعربون عن قلقهم من تطورات الأوضاع في البحرين بسبب حالة الاستقطاب الحادة التي خلقتها بعض النخب الحاكمة، الأمر الذي قد يشكّل عقبة كأداء أمام أي حوار بين السلطة والمعارضة. فالمتطرفون من كلا الطرفين باتوا يسيطرون الآن على جدول الأعمال السياسي في البلاد.
ويوضح جوست هيلترمان، من مجموعة الأزمات الدولية، : " الشهور الأخيرة من العنف وعدم الثقة مكَّنت المتطرفين  لدى كلا الطرفين. في داخل النظام هناك من يحبذون القمع العنيف، ولهؤلاء اليد العليا حاليا. وفي الوقت نفسه، لن تجد حركة الوفاق الشيعية المعتدلة دعماً شعبياً واسعاً بعد الآن لأن العديد من الناس توقفوا عن اعتبارها ممثّلة لهم".

عُمان
عُمان شهدت بدورها تموجات ربيعية منذ أشهر عديدة. فقد برزت فيها سلسلة حركات احتجاجات في هذا البلد الذي كان يعتبر نموذجاً للاستقرار ويُطلق عليه تسمية "الوطن الناعس".
 انطلقت المظاهرات من مدينة سحار الصناعية في الشمال، على بعد 230 كيلومتراً من مسقط، إلى صلالة في الجنوب، ثم ما لبثت أن وصلت إلى العاصمة، وأدت إلى مقتل خمسة محتجين وعشرات الجرحى. في البداية، اقتصرت مطالب المحتجين على رفع الأجور وتحسين الأوضاع المعيشية، لكنها سرعان ما تطورت إلى المطالبة بإصلاحات ديموقراطية.
السلطان قابوس تفاعل مع هذه الاحتجاجات بتعديل الحكومة، ورفع الأجور (بعد أن حصل من دول الخليج على وعد بضخ 10 مليارات دولار كمساعدات) وتوفير 50 ألف فرصة عمل. ثم وسّع نسبياً صلاحيات مجلس الشورى، الذي لم تكن له سوى صفة استشارية، لتمكين أعضائه الـ84 من الاشتراك في اقتراح القوانين وأيضاً إدخال تغييرات على قواعد عمل الحكومة. كما تم انتخاب ثلاثة من قادة الاحتجاج إلى مجلس الشورى.
هذه الخطوات الإصلاحية، على محدوديتها، لاتزال حبراً على ورق.  إذ لم يتم في الواقع تحديد الصلاحيات الجديدة لمجلس الشورى، ناهيك باختبار كيفية تعامل السلطات السلطانية معها. كما أن اللجنة التي أنيطت بها منذ نيسان/إبريل الماضي مهمة تقديم التوصيات حول كيفية نقل الصلاحيات إلى مجلس الشورى، لم تفعل شيئاً بعد.
لكن، وحتى لو هدأت العاصفة السياسية نسبياً في عُمان، فإن المحللين يشكّون في قدرة السلطات على معالجة الشكاوى الشعبية الاقتصادية والاجتماعية والمطالبة برفع مستوى معيشة  الشبان العمانيين، خاصة وأن وعد الدعم الخليجي لايزال هكذا: أي مجرد وعد.
وهذا بدوره، قد يزخِّم مجدداً الموجة الربيعية العمانية.
ماذا الأن عن دولة الإمارات العربية؟
لم تشهد هذه الدولة، التي تحظى فيها أسرها الحاكمة في معظم الإمارات بولاء قبلي- شعبي، موجة احتجاجات شعبية. والحادث الوحيد الذي أثار اهتماماً دولياً كان اعتقال خمسة من نشطاء الديمقراطية الذي أطلق سراحهم لاحقا.
بيد أن السلطات كانت قد عمدت منذ اندلاع ثورات الربيع العربي إلى تشديد القبضة الأمنية على البلاد، والحد من حرية التعبير، وتقييد الحريات الصحافية، في خطوة وُصفت بأنها "ضربة استباقية" لمنع تمدد رياح الربيع العربي إلى الإمارات.

"الربيع الأول"
هذه المعطيات ربما توحي بأن نظم الخليج عصية على  التغيير أو التطوير، وقادرة بفضل ثرواتها النفطية الطائلة على "شراء " أمنها الداخلي كما الخارجي.
 لكن هذا ليس صحيحا.
فبعد العام 2001، حين اطلقت إدارة بوش "استراتيجية الحرية في الشرق الأوسط"، تحرّكت كل أنظمة الخليج تقريباً نحو إجراء إصلاحات سياسية. وهكذا، بدأت تظهر في المنطقة مجالس استشارية منتخبة، ووعدت حكومة البحرين بإعادة الدستور الذي بقي معلّقاً منذ العام 1975، ومنحت المرأة الخليجية بعض الحقوق، وتم توسيع دائرة الانتخابات المحلية.
لكن، ما أن بدأ التركيز الأميركي ينتقل من الديمقراطية إلى التركيز على الإرهاب، حتى توقفت عجلة الإصلاحات، حتى بصيغتها التجميلية، وعاد القمع يتجدد في دول الخليج قبل سنوات عدة من الربيع العربي. بعض أشكال هذا القمع اتخذ شكل إعادة النظر بقوانين الصحافة، عبر فرض غرامات ضخمة في إطار لائحة طويلة من التهم مثل زعزعة الثقة بالاقتصاد، وخرق القيم العائلية، أو شتم "أولي الأمر" (أي الحكّام) وعائلاتهم. بعض هذه القوانين تم تعزيزها في الأشهر الاخيرة، مثلما حدث في السعودية في نيسان/إبريل 2011 حين عدّل مرسوم من الملك قانون الصحافة والمطبوعات للعام 2000  بهدف حظر نشر أي شيء "يتناقض مع الشريعة الإسلامية" أو "يخدم المصالح الأجنبية" أو "يعرِّض الأمن القومي إلى الخطر".
إصلاحات ما بعد 2001 كان يمكن اعتبارها "الربيع الأول" في الخليج. وزوالها بعد ذلك لايغيّر من هذه الحقيقة شيئاً، وإن كان يشير إلى أن أنظمة الخليج ستبذل الآن كل جهد ممكن لمواجهة موجات الربيع العربي التي تهب الآن من كل مكان، بما في ذلك بالطبع اليمن في شبه الجزيرة العربية.
الطرق التي ستقاوم بها الأنظمة الربيع عديدة وتتمثّل بالتالي:
-  مواصلة الحملات الأمنية الداخلية لمنع تبلور معارضة شعبية، أو حتى انتعاش المجتمع المدني.
- الضرب على وتر الحساسيات المذهبية حيث كان ذلك مفيداً.
- استخدام الصراع الإقليمي مع إيران كمبرر قوي لرفع شعار "الأمن أولاً" في الداخل في وجه الجميع.
- مواصلة استخدام أموال النفط لتعزيز الدور الريعي لأنظمة الخليج، ولمحاولة "شراء" الطبقة الوسطى الجديدة والصاعدة، خاصة في المملكة السعودية.
- تشكيل كتلة ملكيات في المنطقة العربية. وهي خطوة تجسّدت في العرض الغريب لضم المغرب القصي والأردن المنغمس في تداعيات الصراع العربي- الإسرائيلي إلى مجلس التعاون الخليجي.
- تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى قوة تدخل سريع لمواجهة الانتفاضات في كل دول الخليج، إنطلاقاً من التجربة العسكرية الناجحة (حتى الآن على الأقل)  لقوات درع الجزيرة في البحرين. فضلاً عن العمل على إقامة الاتحاد الخليجي.
- وأخيراً، اختراق الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن سوريا وغيرها من الدول، عبر ضخ الأموال الطائلة لدعم الحركات السلفية التي لاتكّن كبير ود للديمقراطية.

السعودية أولاً
هل تنجح كل هذه التوجهات في لجم جماح الربيع العربي في منطقة الخليج؟
التطورات في الدول الخليجية الصغيرة مهمة، لكنها لن تكون حاسمة لمصلحة الانتقال إلى الديمقراطية، كما دلّت على ذلك بجلاء تجربة ثورة البحرين.
فلكي تتوافر الظروف المناسبة للتفتُح الديمقراطي في هذه الدول، يجب أن يبدأ الأمر لأولاً في المملكة السعودية، ليس فقط لأنها أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي (نحو 27 مليون نسمة، بالمقارنة مثلاً مع مليون في كل من الكويت والإمارات، و200 ألف في قطر و500 ألف في البحرين)، بل أيضاً لأن السعودية قادرة على منع أي انفتاح ديمقراطي في الخليج، وبالقوة إذا ما لزم الأمر.
وهذا مايعيدنا إلى السؤال الذي طرحناه في البداية: ما آفاق التغيير في السعودية؟
مقومات هذا التغيير متوافرة في الواقع: مئات آلاف الشباب الذين تلقوا تعليمهم في الغرب الديمقراطي. تصاعد صوت المرأة وقيادتها في بعض الأحيان لمطالب التطوير. طبقة وسطى مأزومة وتعاني من البطالة وشح الموارد. عودة التنافس التاريخي بين نجد والحجاز، وإن بشكل صراع على تطوير النظام.
لكن العامل الأهم قد يكون بروز جيل جديد من الأمراء أكثر ميلاً إلى الحداثة، في شكلها السياسي والاجتماعي، يقومون بتزعّم الحملة لإصلاح النظام من داخله، بدعم من حراك شعبي محتمل لاحق، إن لم يكن في اتجاه الملكية الدستورية فعلى الأقل لدفع المملكة نحو هذا الهدف بالتدريج.
صحيح أن هذا قد يُطلق صراعاً في المملكة بين الأجيال في الأسرة الحاكمة، كما بين التحديثيين وبين القوى المحافظة التي ستتحصّن مجدداً بالإديولوجيا الوهابية الصارمة لمقاومة الإصلاحات، إلا أن ذلك قد يسرِّع أيضاً في ولادة حركة إسلامية جديدة معتدلة (بدعم دولي) يقال أن السعودية تموج بها الآن.
لمن ستكون اليد العليا في هكذا صراع؟
للتحديثيين على الأرجح
لماذا؟
لأن هذا "قضاء" متطلبات العولمة ومستوجباتها، و"قدر"القرار الدولي بتغيير وجه المنطقة وأيضاً لأن حس المواطنة (أي شعور الإنسان بانسانيته وحقوقه وقيمة ذاته) لايتوقف إلا حين يتكلل بالنصر ويتجسّد على أرض الواقع.
هكذا يقول التاريخ في دول العالم. وكما أن المنطقة العربية لم تكن الاستثناء في الموجات الثلاث من ثورات الديمقراطية العالمية، كذلك لن يكون الخليج( وهو جزء عضوي من هذه المنطقة) استثناء.
وعلى أي حال، الطبيعة نفسها تكره الفراغ. والاستثناء هو الفراغ بعينه.
______________________________________________________





الثلاثاء، 26 يونيو 2012

ماذا قال لي "الإله" عمر البشير؟






في عدد اليوم
26-6-2012
www.saadmehio.com
__________
1- مقال: ماذا قال لي "الإله" عمر البشير؟
2- كاركاتير(الرئيس بشار الأسد).
3- تحليلان  عن سياسة واشنطن تجاه الرئيس المصري مرسي

_______________
ماذا قال لي "الإله" عمر البشير؟
سعد محيو
المشهد مذهل بالفعل، لابل هو سوريالي:



رئيس بعد رئيس في المنطقة العربية، يعرب عن ثقته المطلقة بأن بلاده لن تشهد أي لون من ألوان الربيع العربي، لا الآن ولا غدا.
البداية كانت مع الرئيس حسني مبارك، الذي أكد جازماً أن بلاده مصر ليست تونس. ثم تلاه الرئيس بشار الأسد الذي كان واثق الخطوة يمشي ملكاً وهو يبلغ "وول ستريت جورنال" أن سوريا لن تشهد اضطرابات، لأن شعبها" راضٍ تماماً عن سياسات نظامه". أما العقيد الراحل معمر القذافي، فكان أقل ثقة لكن أكثر حسماً. فهو لم يستبعد تمدد الربيع إلى ليبيا، لكنه حذّر الليبيين من أنه "سيجتاح غرف نومهم" إذا ما فكّروا بتكرار نموذجي تونس ومصر.
والآن جاء دور عمر البشير، الذي تعلّم على مايبدو من  أخطاء التقدير التي وقع فيها زملاؤه في نادي الرؤساء السلطويين العرب في حسبة أيام الربيع، فاستنبط فكرة أخرى: هذا الفصل لن يأتِ إلى السودان لأنه تكرر فيه مرتين في السابق، خلال الانتفاضتين الشعبيتين عامي 1964 و1985.
لقد تسنى لكاتب هذه السطور لقاء الرئيس البشير مرتين: المرة الأولى في 8 تموز/يوليو 1989، أي بعد انقلابه العسكري بثمانية أيام الذي تربّع فيه منذ ذلك الحين على عرش السلطة. والثاني في شباط/فبراير 2007 خلال مهمة صحافية أخرى.
في اللقاء الأول، بدا لي الرجل شخصية مُحببة ومُهذبة ومُتواضعة، تُنصت باهتمام اكثر مما تتكلم، وتتعلّم أكثر مما تُعلِّم، وتحمل كبار الآمال بسودان متحرر من الفساد والمحسوبيات. سودان يسير على طريق التنمية والتطور، والوحدة الوطنية، والتعددية الديمقراطية.
صحيح أن الرئيس الجديد اظهر سذاجة سياسية فائقة حين نجحتُ في استثارة انفعاله، فانتصب واقفاً وهو يصرخ أنه "لايمانع في انفصال الجنوب" (وهذا كان العنوان الرئيس لصحيفة "الخليج" التي كنت أعمل بها، والذي تصدّر أولى الأخبار العالمية آنذاك). لكنها مع ذلك سذاجة كانت تنم عن بساطة وطيبة.
في اللقاء الثاني، عاينت مشهداً مناقضاً تماما: عمر البشير لم يعد ير شيئاً من حوله. ولايعرف مع من يتكلم ولا يريد أن يعرف. الأصوات من حوله بدت وكأنها في كوكب وهو في كوكب أخر. عمر البشير لم يعد ير سوى عمر البشير.
وحين سألته عن خططه لتلبية مطالب الشعب والمعارضة، قال جملة كررها بشكل مذهل بشار الأسد بعده بسنوات:" وهل أنا موظّف لدى الجماهير"؟.
لقد حدثت "النقلة- اللعنة" التي تُصيب كل من عَلِقَ في شبكة عنكبوت السلطة المطلقة: تضخّم الأنا (Ego ) الذي جعل الفراعنة يؤمنون أنهم آلهة، وملوك أوروبا أنهم سدنة الحق الإلهي. تلك الأنا التي دفعت معمر القذافي إلى أن يظن حتى اللحظة الأخيرة أن "الملايين"، التي بات يختصرها في ذاته المقدسة، ستنتفض للدفاع عن قادئها الأبدي؛ والتي جعلت بشار الأسد يعتقد بأن وراء كل طفل في درعا مؤامرة في أنقرة.
الامبرطور يوليوس قيصر أدرك الألعاب المدمِّرة للأنا الأنانية في الإنسان، فعيّن أحد الفلاسفة مساعداً له بوظيفة وحيدة يتيمة: كلما كان يوليوس يجوب شوارع روما احتفالاً بنصر عسكري جديد له، كان الفيلسوف يجلس وراءه في العربة ويهمس في أذنه: تذكّر يا يوليوس أنك بشر لا إله. تذكّر أنك بشر لا إله".
بعد نحو 23 سنة في السلطة المطلقة،  انضم عمر البشير إلى ركب أشباه الآلهة، وأسقط عنه كل قسمات التواضع، وملامح الطيبة والأثرة، وحب الصالح العام. رجل الدولة أصبح هو الدولة. وقائد الأمة أصبح هو الأمة. لم يعد هناك إلى جانب البشير وحوله سوى البشير. ولولا هبوط الأديان السماوية على الأرض التي حصرت الألوهة في مطلق واحد، لكانت المنطقة العربية تعج الآن بكل أصناف الآلهة وأنواعها.
المشهد مذهل بالفعل، لا بل سوريالي.
لكنه مشهد بدأت تتساقط ألوانه وخطوطه قطعة قطعة. إنه مشهد آيل إلى الاندثار.
والبداية الحقيقية لهذه النهاية لم تكن في تونس، بل في مصر التي انطلقت منها فرعونية الألوهة، والتي تقوم أرض الكنانة اليوم بدفنها مع كل بهارجها وثقافتها ومفاهيمها.
السودان لن يكون استثناء في هذه القاعدة التي تجتاح كل المنطقة. هذا أكيد. لكن، هل تكون البحرين والكويت والسعودية وبقية بلدان الخليج هي هذا الاستثناء، كما يقال لنا الآن؟
                                                                        (غدا نتابع)
                        _____________________________
كاركاتير


                    ________________________________________

يتنبأون، يتكهنون، يتوقعون

كيف تقرأ واشنطن فوز مرسي برئاسة مصر؟
"مجلس العلاقات الخارجية" هو مركز الأبحاث الأميركي الذي يوصف بأنه "صانع الرؤساء" والخطوط العامة للسياسة الخارجية الأميركية.
هنا مقالان نشرا اليوم في موقع المجلس، يتطرقان إلى معنى وأبعاد فوز الدكتور محمد مرسي بالرئاسة في مصر، وإلى طبيعة الأطلالة الأميركية على الديناميكات الجديدة في الحياة السياسية المصرية، خاصة منها العلاقات بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الأخوان المسلمين:  

1- What Morsi's Win Means for Egypt
________________

2- Egypt’s Military Adopts Turkish Model to Retain Power Over Morsi

__________________




الاثنين، 25 يونيو 2012

المهمة الأخطر لمرسي: إثبات "صِدْقِية" الأخوان


في عدد اليوم
15- 6-2012
www.saad mehio.com
1- مقال: المهمة الأخطر أمام مرسي: إثبات "صدقية" الإخوان
2- كاريكاتير: تجاذب ديمقراطية مصر
3- تقرير أميركي حول سيناريوهات اسقاط النظام السوري

_________________________
المهمة الأخطر أمام مرسي:
إثبات "صِدْقِية" الأخوان
سعد محيو
ستكون جماعة الإخوان المسلمين المصرية في قادم الأيام في حاجة إلى الكثير من مساحيق الغسيل وكميات أكبر من العطور، لتزيل عنها الروائح غير المريحة التي أزكمت أنوف شباب الثورة وأحزابها، ناهيك بالجيش وجنرالاته، ومعهم نصف الشعب المصري الذي صوّت لصالح أحمد شفيق.


فالأخوان لم يفعلوا شيئاً في الواقع منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، سوى الإخلال بمعظم المواثيق والوعود مع الجميع: من نكث التعهُّد بالتزام  شعار"المشاركة لا المغالبة"، إلى إطاحة الاتفاقات حول تشكيل كلٍ من البرلمان والجمعية الدستورية، مروراً بالطبع بإعلاناتهم المتكررة بأنهم لن يطرحوا مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
كل هذا، وغيره الكثير على مايبدو وراء الكواليس، جعل الكثيرين يتذكّرون تاريخ هذه الجماعة التي بقيت طيلة فترة طويلة باطنية وسرّية (بمافي ذلك التنظيم الخاص العسكري المتخصص بالعنف والاغتيالات) ومُنغلقة بشكل مَرَضَي على نفسها وتنظيمها الداخلي. وهي بُنية تنظيمية- سياسية أدت إلى وضعها في خط صدامي مع كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر منذ ثلاثينيات القرن القرن الماضي، من الملكيين إلى الجمهوريين.
هذه المهمة، أي نيل ثقة المصريين، قد تكون العمل الأهم للرئيس مرسي، وربما حتى أهم من المشاكل الاقتصادية- الاجتماعية الكبرى، والانفجار الديمغرافي المرعب، والطفرة الهائلة في أعداد الشبان، ومسألة استعادة الأمن الداخلي. إذ أن استمرار اتهام الجماعة بعدم الصدقية أو حتى بالكذب، من خلال مواصلتها نكث الوعود والمواثيق، سيعزلها مجدداً عن كل أطياف قوس قزح المجتمع المصري، وسيضعها على طرفي نقيض مباشر مع ثلاثي النساء- الأقباط- الشباب، كما سيحول دون إبرام أي تسويات او حلول وسط مع الجيش المصري.
ثم يجب ألا ننسى بالطبع أنه سيكون على الإخوان أيضاً أن يثتبوا لأميركا، التي كانت على مايبدو سندهم الرئيس في مواجهة العسكر (في إطار استراتيجيتها العامة لتغيير وجه الشرق الأوسط الإسلامي) أنهم أهل بالوعود التي أغدقوها عليها: الحفاظ على السلام مع إسرائيل؛ التزام مباديء "إجماع واشنطن" حول مواصلة تحرير الاقتصاد، وأيضاً عدم التعرُّض إلى حقوق الأقليات والمرأة والحريات الفردية. (كما جاء في بيان البيت الأبيض غداة فوز مرسي)
هل ستستطيع جماعة الإخوان "تغيير جلدها" القديم لتخرج من شرنقة الباطنية والسرية والإديولوجيا المغلقة إلى رحاب العمل السياسي المفتوح والموثوق؟ هل سيكون في وسعها، وربما لأول مرة في تاريخها، أن تغلِّب المصلحة الوطنية العامة على المصالح التنظيمية الخاصة؟ أم أن نشوة النصر ستجعلها أكثر تهوراً واندفاعاً نحو التقوقع والاستئثار كما فعلت طيلة الشهور الـ18 الماضية؟
ثم: هل ستكون الجماعة طرفاً في انجاح المرحلة الانتقالية التاريخية من الثقافة الفرعونية إلى الثقافة الديمقراطية (التي بدأت الآن مع فوز مدني بالرئاسة للمرة الأولى في مصر منذ 1952)، ، أم  ستصبح عاملاً من عوامل فشلها، عبر تنافسها مع السلفيين على التطرف الإديولوجي؟
كل هذه الأسئلة ستنتظر إجابات سريعة من الإخوان. وأي تلكؤ في الإجابة عليها سيضعها سريعاً، لا حتى بأسرع مما يتوقع الكثيرون، بين فكي كماشة الجيش(ومعه الغرب) اللذين سيلاحقان عن كثب أي "هفوات استراتيجية" جديدة سيرتكبها الإخوان، والشباب المستعدون في كل حين للعودة إلى ميدان التحرير لمقاومة الاستبداد الديني في حال ظهوره.
* * *
حظاً سعيدا سيادة الرئيس مرسي، وفضيلة المرشد.
___________________________________________________________

كاريكاتير
_


(عن الانترنت)
_________________________________________________________
يتنبأون، يتكهنون، يتوقعون


نحو تحرُّك القبائل العربية والأكراد
ضد النظام السوري
نشرت دورية "فورين بوليسي" الاستراتيجية تقريراً للباحث أندرو تابلر، تطرق فيه إلى سيناريوهات إسقاط النظام السوري: من دعم المعارضة المسلحة وغير المسلحة، إلى احتمال التدخل الغربي العسكري المباشر بتغطية من الجامعة العربية.
أهم ما جاء في التقرير: العمل على تحريك القبائل العربية والأكراد في شرق سورية للانضمام إلى الثورة المسلحة ضد النظام.
نص التقرير:
                                        _________________


قطع السبل على الأسد
30 أيار/مايو 2012
مذبحة قرية الحولة السورية التي راح ضحيتها أكثر من 100 قتيل من المدنيين، أثارت الشكوك حول الحكمة التقليدية في واشنطن التي مفادها أن التدخل من شأنه أن يجعل الأوضاع أكثر سوءاً على الأرض. فتجاهل الرئيس السوري بشار الأسد للموعد النهائي الذي حددته الأمم المتحدة في مطلع نيسان/أبريل لسحب القوات المسلحة من الأحياء السكنية والالتزام بوقف إطلاق النار،  قوّض أي مصداقية ظن البعض أنه يتحلى بها.
ومع ذلك، من بدون قيادة الولايات المتحدة، يضعف الأمل في أن تدعم العديد من الدول ذات المصلحة في الصراع السوري أي حل تفاوضي. كما أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تجعل روسيا مستعدة للمساعدة في الضغط على نظام الأسد كي "يتنحى" - وهو ما طالب به البيت الأبيض من قبل - هي أن ترى موسكو أن النظام آيل إلى السقوط المؤكد، وأن مصالح روسيا في الشرق الأوسط على المحك. وسيساهم التدخل العاجل لا الآجل تحت قيادة الولايات المتحدة في التعجيل بهذا الأمر. لكن السؤال الآن هو كيف ومتى يتم ذلك.
يمكن اتخاذ عدد من التدابير على المدى القصير من شأنها إضعاف قبضة نظام الأسد على الحكم، هذا بالإضافة إلى العزلة الدبلوماسية القائمة ونظام العقوبات المفروضة على صادرات النفط السورية وتصنيفات أخرى على أفراد وكيانات تابعة لنظام الأسد. وفي ما يلي سرد لتلك التدابير بالترتيب من الأقل مباشرة إلى الأكثر مباشرة:
1.      تقديم المزيد من الدعم للمعارضة داخل سورية: تقوم إدارة أوباما حالياً بتقديم المساعدات غير العسكرية للمعارضة غير المسلحة في سوريا. ويمكن تمديد نطاق هذه المساعدات علناً ليشمل كذلك جميع قوى المعارضة، بما في ذلك تزويدهم بمعلومات استخباراتية مهمة حول تشكيلات النظام الأمنية والعسكرية المتجهة نحو المدن والقرى. كما يمكن أن يساعد العمل مع تلك المجموعات على فهم الولايات المتحدة لها بشكل أفضل مع تقدير مدى مصداقيتها، فضلاً عن توطيد أواصر ثقة يمكن أن تقود إلى تقديم الدعم التسليحي لها مع استمرار الصراع.
2.      حث الأكراد والقبائل العربية في شرق سوريا على دعم الانتفاضة بشكل كامل: قام نظام الأسد بتقسيم فرقه الأكثر موثوقية إلى ألوية، في الوقت الذي يواصل ممارساته الدامية بما يشبه "لعبة ضرب الجرذان حالما تظهر" ضد المعارضة السورية. ومن بين الطرق التي يمكن من خلالها تشتيت قوات الأسد والتعجيل بالقضاء عليها، هي توسيع نطاق الثورة السورية لتصل إلى شرق سوريا حيث يسيطر الأكراد والقبائل العربية. هذا بالإضافة إلى وقوع مناطق إنتاج النفط والغاز السوري في أماكن سكنهم. ويمكن لبعض العمليات التخريبية على خطوط الأنابيب وبعض المرافق الأخرى أن تحد بشدة من قدرة النظام على المناورة. وقد أعربت بعض الشخصيات البارزة الممثلة لتلك المجتمعات خلال المناقشات الأولية عن اهتمامها بتوسيع نطاق علاقاتها مع "الجيش السوري الحر" النشط في شرق سوريا. والآن هو الوقت المناسب لاتخاذ الخطوة التالية.
3.      مساعدة جيران سوريا على إنشاء مناطق آمنة على أراضيهم: تظهر الأرقام الرسمية أن المناطق الحدودية السورية مع تركيا ولبنان والأردن تأوي حوالي 70000 نازح، وبالطبع الأرقام غير الرسمية تزيد عن ذلك بكثير. بإمكان واشنطن أن تساعد جميع هذه البلدان الثلاثة على إنشاء مناطق آمنة حقيقية يمكن أن تكون بمثابة مناطق تجهيزية لاستخدامها لتدريب وتجهيز المعارضة السورية بكل ماتحتاجه بما في ذلك الجانب العسكري. ويعد هذا احتمالاً وارداً في تركيا والأردن (بمساندة الولايات المتحدة) إلا أن تحقيق ذلك في لبنان هو موضع شك كبير من الناحية العملية نظراً إلى نفوذ «حزب الله». كما أن المناطق السنّية والكردية في العراق يمكن أن تكون أيضاً بمثابة مناطق عازلة في المستقبل.
4.      المساعدة على إقامة مناطق عازلة داخل سوريا: بمجرد الانتهاء من إنشاء المناطق الآمنة ومناطق التجهيز في تركيا والأردن، يمكن عندئذ توسيعها لتمتد إلى داخل الأراضي السورية لحماية المدنيين وإتاحة الفرصة للمعارضة السورية كي تعمل بحرية داخل الأراضي السورية. وكما يتردد بالفعل فإن تركيا قد وضعت خطط طوارئ مفصلة لإنشاء مثل تلك المناطق كوسيلة للتعامل مع تدفق اللاجئين ومنع المليشيات الكردية - التي يدعمها نظام الأسد - من الدخول إلى تركيا وتنفيذ هجماتها. كما ينطوي إنشاء تلك المناطق على التزام عسكري طويل الأمد من جانب تركيا وحلفائها، والتي لن يتسنى لها الاستمرار والاستدامة إلا بمساعدة الولايات المتحدة.
5.      حظر وصول الأسلحة عبر السواحل السورية: ترسل إيران وروسيا الأسلحة علانية إلى النظام السوري وهو ما يجب أن يتوقف. بإمكان الولايات المتحدة وحلفائها فرض حظر بحري على طول السواحل السورية على غرار الدوريات الدولية التي تعترض شحنات الأسلحة المتجهة إلى لبنان لصالح «حزب الله». بيد أن هذا قد يستلزم اتخاذ قرار من قبل مجلس الأمن الدولي - والذي من المرجح أن تستخدم فيه روسيا حق النقض لإسقاطه. هناك طريقة أخرى يمكن من خلالها إنشاء حظر بحري أو جوي أو كليهما على سوريا، عن طريق تقديم جامعة الدول العربية الغطاء القانوني لهذا الحظر، على غرار ما قدمته "منظمة الدول الأميركية" من شرعية لإجراء مشابه أثناء "أزمة الصواريخ الكوبية". لكن السؤال هو ما الذي سيحدث في حالة رفض روسيا وإيران لذلك.
في الوقت الذي يتزايد فيه الصراع السوري بشكل مأساوي، قد تضطر واشنطن إلى شن غارات جوية قوية أو اتخاذ إجراءات مماثلة لمنع قوات النظام من مهاجمة المدنيين. ومع ذلك، لكي تنجح تلك الهجمات في الإطاحة بالنظام السوري، سيتعّين على واشنطن وحلفائها تشكيل قيادة بديلة من المعارضة السورية الراهنة المشتتة. وسيكون الصراع في سوريا هو المسيطر على الوضع في المستقبل المنظور. إلا أن هذا الصراع لايستلزم بالضرورة اندلاع حرب أهلية شاملة - فالمعارضة على الأرض قد توحدت على هدف واحد وهو: ضرورة رحيل الأسد مهما كان الثمن. ولكن السؤال هو كيفية الوصول إلى تلك الغاية.

( * ) أندرو جيه. تابلر هو زميل في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "في عرين الأسد: رواية شاهد عيان لمعركة واشنطن مع سوريا."
___________________